مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

سياسة النفس

صفحة 182 - الجزء 2

  أقرباؤه، ولم تأسف عليه كما أسف عليها دنياه، بل تخلوا جميعاً منه، وأعرضوا سريعاً عنه، فورثوه غير حامدين له فيما جمع، وأسلموه إذ مات لما عمل وصنع، ولعل قائلاً منهم أن يقول: ما كان أفحش حرصه وإيعاثه⁣(⁣١)، أو قائلاً منهم يقول: ما أقل أو ما أكثر تراثه، تلعباً بذكره، وتفكهاً في أمره.

  فاعرضوا هذا - رحمكم الله - على قلوبكم لأن ينجلي لكم إن شاء الله ما فيها عن الدنيا من العمى، وانظروا إلى من زالت عنه القدرة من أبناء الملوك والعظماء، كيف صاروا إلى الضعة بعد الرفعة، والضيق بعد مضطربهم من السعة، بل انظروا بعد هذا كله إلى من كان هذا أكثر شغله، ألم تروا غلطهم في مسالكهم، ومرتطمهم في مهالكهم، فاعتبروا بهم قبل أن تغرقوا في بحرهم، وتقعوا في مهالك أمرهم، وآثروا سبيل أحباء الله على كل سبيل، واستدلوا بما كان لهم على سبيلهم من دليل، فإن دليلهم فيه وعونهم كان عليه ما خالط فكرهم وأحيوا به في الفكر ذكرهم من نعيم الآخرة الدائم المقيم، وما أعد الله لمن حاده في الآخرة من العذاب الأليم.

  ففكروا - رحمكم الله - كما فكروا تبصروا إن شاء الله من فضل سبيلهم ما أبصروا، وفوضوا أموركم في ذلك كلها إلى الله، واعتصموا في ذلك كله بالله، فلا تدعوا فيه يقظة الجد والاجتهاد، بعد التوكل على الله ربكم فيه والاعتماد، وابذلوا لله فيه كل جهد، وأخلصوا له منكم في كل قصد، فإنكم إن تفعلوا -


(١) قال في شمس العلوم: الإِيعاث: أوعث القومُ: إِذا وقعوا في الوَعث. وأوعث في ماله: أي أفسد وأسرف.