مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

سياسة النفس

صفحة 183 - الجزء 2

  ذلك له، وتقصدوا فيه ما يجب فعله - تولاكم فيه فعصمكم، وكفاكم به مهمكم، ولا تحدثوا أنفسكم بعد أن يمن الله عليكم بهذه النعمة وبعد الدخول منكم في هذه السبيل المكرمة بالخروج ما بقيتم منها، ولا بالإعراض أبداً ما حييتم عنها، ولكن وطنوا أنفسكم على احتمال صعاب الأمور فيها، ولا تخافوا - ولا قوة إلا بالله - تخويف من خوفكم عليها.

  واعلموا أنه لن يكون أحد في فعله خلصانياً، ولا فيما تتوق إليه نفسه من ولاية الله ولياً إلا بعزمه على طاعة الله وإقدامه، ومحافظته على ما حكم الله به عليه من أحكامه، فاعزموا على التقوى عزم من يوقن بفضلها تكونوا بإذن الله من أوليائها وأهلها، واصرفوا قلوبكم إلى تقوى الله تكونوا من السابقين بالتقوى إلى الله، فقد نبهكم الله لها وأيقظكم، وأمركم بما تعملون⁣(⁣١) منها فوعظكم.

  والموت رحمكم الله قد أبان النداء، وداعيه فغير مُفَتِّر في الدعاء، يختطف ملحاً دائباً النفوس، ويميت الكبير والصغير المنفوس، لا يغفل غافلاً وإن غفل ولا يؤخر مؤملاً لما أمل، بل يكذب الآمال، ويقطع الآجال، ويفرق بين الأجساد والأرواح، وفي أي مساء يأتي أو صباح، بل في كل حالة وساعة، فكم من بلية أو منية فجاعة تمنع من روح الأنفاس، وتقطع إلف الإناس، قد رأيناها عياناً، وعلمناها إيقاناً.

  وإذا وطنتم أنفسكم إن شاء الله على سلوك هذه السبيل، وهداكم الله إليها بما


(١) في (أ): تعلمون.