سياسة النفس
  جعل الله في فضلها لأهلها من الدليل - فارضوا بالله فيها بدلاً من الدنيا، واقصدوا قصد وجوه البر والتقوى، واعملوا عمل من يوقن بحصاد مزدرعه وزكائه، وثقوا من الله فيما عملتم من ذلك بحسن جزائه، إذ تحملتم له ولأمره طلب الرضا، وفارقتم لوجهه أهل الدنيا، وحرمتم على أنفسكم عارض شهواتها عند اشتهائه، وآثرتم ما أعد الله من الخيرات الباقيات لأوليائه.
  واعلموا أنكم إذا أَمَتُّم عارض شهواتكم لله فقد طبتم وزكيتم وأشبهتم المصطفين من عباد الله، وفي غد ما يقول لكم ملائكة رب العالمين: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ٧٣}[الزمر].
  واعلموا أنكم إذا رفضتم غرور زينة الدنيا فكأنكم بقلوبكم في السماوات العلى، فاجعلوا القيامة لكم غرضاً ترمونه بصالح الأعمال، ولا تقتدوا في ذلك بمنتهى سبيل الأبرار فتكونوا بعرض ملال يحط من كبار الأعمال إلى صغارها، ومن تفضيلها إلى احتقارها، ولكن تناولوا طرفاً من الصيام، وطرفاً في الليل من القيام، وتفهموا ما تتلون فيه من أجزاء القرآن، وسبحوا الله واذكروه في آناء الليل وأطراف النهار، فإنه يقول سبحانه: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ٤١ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ٤٢}[الأحزاب]، ويقول سبحانه: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ١ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ٢ نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ٣ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ٤}[المزمل]، ويقول سبحانه: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ٧٩}[الإسراء].
  واعلموا أن شهوة الشراب والطعام والنوم عن التهجد والقيام أوقع سروراً