مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

العالم والوافد

صفحة 198 - الجزء 2

  من ذوي العلم عقولها، فقد كفونا مؤنة الطلب بباهر الاحتجاج، وقطعوا عنا علائق الاعوجاج، حتى ما بقي في ذلك شك ولا اختلاج. فقصدت عند ذلك بينة صحيحة⁣(⁣١) حتى عرفت الأصل والفرع، وبحثت بغائص⁣(⁣٢) عقلي فوجدت ذلك واضحاً مبيناً، وفي كتبهم مشروحاً معيناً، كلاماً مبرهنا، قد حملوا À عبء ذلك وثقله، وأوضحوا فرع ذلك وأصله، حافظين في الأمانة، مجتنبين الغش والخيانة، قد شيدوا بنيانه، وعظموا سلطانه، وأثبتوا في العقول برهانه، فليس لأحد من بعدهم مطلب، ولا لمسترشد من دونهم مذهب، ولا عاقل في غير مذهبهم يرغب.

  قال العالم: فكيف عرفت دنياك؟

  قال الوافد: عرفت فناءها وتقلبها، وغدرها وخداعها فحذرتها، ونظرت وميزت فإذا الدنيا تغر طالبها، وتقتل صاحبها، تفرق ما جمع، وتغير ما صنع، فعرفت أنها تفعل بي كما فعلت بالأولين.

  قال العالم: فكيف عرفت آخرتك؟

  قال الوافد: عرفت أنها منقلة باقية فيها الحساب والعقاب، والمجازاة والثواب يبلغ أمدها ويطول أبدها، فريق في الجنة وفريق في السعير، فمن كان في أصحاب الجنة فشاب لا يكبر، وغني لا يفتقر، وقادر لا يعجز، وعزيز لا يذل، وحي لا يموت، في دار قرار ونعيم مقيم، وسرور وقصور، وأبكار راضية،


(١) في المخطوط: فقصدت رغبة بذلك بنية صحيحة.

(٢) في المخطوط: بغامض.