الدرع الحصينة في تخريج أحاديث السفينة،

الإمام أحمد بن هاشم (المتوفى: 1269 هـ)

فصل: آداب الدعاء

صفحة 108 - الجزء 1

  ومنها: أن لا يعتدي بدعائه كأن يدعوَ بمستحيلٍ أو نحوه، كما في البخاري تعليقًا عن ابن عباس في قوله تعالى: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ٥٥}⁣(⁣١) (⁣٢) وقد أجمع العلماء - رحمهم الله - تعالى - أن الإنسان لا يجوز له الدعاء بطلوع السماء، أو تحويل الجبل ذهبًا⁣(⁣٣)، أو يحيى له الموتى، أو ما أشبه ذلك؛ فقد روى أبو داود عن عبد الله بن مغفل⁣(⁣٤) أَنَّه سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ، إِذَا دَخَلْتُهَا، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ سَلِ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَعُذْ بِهِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَهِ ÷ يَقُولُ: «إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ»⁣(⁣٥)؛ فالاعتداء في الطهور هو مخالفة المشروع في وضوء وغسل، والاعتداء في الدعاء كما ذكرنا، وتفسير الصحابي مقدمٌ (على كلام العلماء)⁣(⁣٦) كما فسره عبد الله لابنه.

  روى الإمام المرشد بالله # بسنده إلى أبي هريرة - قال: إن رسول الله ÷ قال: «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ، فَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَهَاجَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ قَالَ: هَاجَرَ فِي سَبِيلِهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا تُبَشِّرُ النَّاسَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ ø فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ وَسَطُ الْجَنَّةٍ، وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - مِنْهُ تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ "⁣(⁣٧)، وفيه دليل على وجوب الهجرة


= ولأبيها ولأخيها بِأَن يمتعها الله بهم فَقَالَ ÷ (لن يعجل الله شَيْئا قد أَجله) الحَدِيث، ينظر: الشوكاني، تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين (١/ ٦٢).

(١) سورة الأعراف: ٥٥.

(٢) قال ابن عباس: إنه لا يحب المعتدين في الدعاء وغيره، أخرجه البخاري في صحيحه (٤/ ١٦٩٧ رقم ١٣٣).

(٣) في (أ) تحيل الجبل والصواب ما اثبناه من (ب وج).

(٤) عبد الله بن مغفل بن سعد المزني، من أهل بيعة الرضوان، تحول إلى البصرة، وتوفى بها (سنة ٦٠ هـ) خرَّج له الهادي للحق يحيى بن الحسين والأخوان المؤيد بالله وأبو طالب والجماعة، ينظر: ابن عبد البر الاستيعاب في معرفة الأصحاب: (٣/ ١١٨)، وابن الأثير، أسد الغابة في معرفة الصحابة: (٣/ ٣٩٥)، والمؤيدي، مجد الدين، لوامع الأنوار: (٣/ ١١٣).

(٥) أخرجه أبو داود في سننه (١/ ٧١ رقم ٩٦)، وابن ماجة في سننه (٢/ ١٢٧١ رقم ٣٨٦٤)، وقد حسن إسناده، وابن كثير في "تفسيره: (٢/ ٢٧٠).

(٦) ما بين القوسين ساقط من: (أ، ب).

(٧) أخرجه المرشد بالله في الأمالي الخميسية: (٢/ ٣٩ رقم ١٥٠١).