ذكر كرامات من كراماته #:
  على ما سُقْنَاهُ، وكَفَى شَرَفًا لأمير المؤمنين كرم الله وجهه في الجنة أَنْ سَمَّاهُ اللهُ في ذِكْرِهِ العزيز: نَفْسًا لرسول الله ÷، وسَمَّاه رسولُ الله نَفْسَه كما سقناه في الأحاديث، وَلْنَرْجِعْ إلى الأبيات الأصل التي ذيل عليها سيدي الوالد حفظه الله وحماه:
  ٥٢ - مُعْرِضُ عَنْ هَذِهِ الدُّنْيَا يُرَى ... مُقْبِلًا إِنْ كَانَ أَمْرًا أُخْرَويا
  ٥٣ - مَا ارْتَضَى الدُّنْيَا وَلَا زَهْرَتَهَا ... وَأَثَاثَا حَسَنَا فِيهَا وَرِيَّا
  (معرض): خَبَرُ مُبْتَدَأ محذوف عَائِدٌ إليه #؛ لدلالة السياق - أي: هُوَ مُعْرِضُ، وفي قوله: (كَانَ): ضَمِيرٌ هُوَ اسمها عَائِدٌ إلى ما دَلَّ عليه (مقبلا): أَيْ كَانَ الْمُقْبِلُ عليه أَمْرًا أُخْرَوِيَّا، (والأثاث): متاعُ البيت، وقيل: ما جَدَّ من الفِرَاشِ، (والري): الْمَنْظَرُ الحَسَنُ، ومنه قوله تعالى: {أَحۡسَنُ أَثَٰثٗا وَرِءۡيٗا ٧٤}[مريم: ٧٤]، فالبيتان يُشِيرَانِ إلى ما كان عليه الوصي # من الزَّهَادَةِ، وقد كَانَ بِلَا رَيْبٍ إِمَامَ الزُّهَادِ، وَبَدَلَ الأَبْدَالِ، وإليه في ذلك تُشَدُّ الرِّحَالُ، وعنده تُنْقَضُ الأَحْلَاسُ، مَا شَبعَ مِنْ طَعَامِ قَطُّ، وكان أَخْشَنَ النَّاسِ مَأْكَلًا ومَلْبَسا؛ قال عبدالله بن أبي رافع(١): دخلت عليه يَومَ عيد، فَقَدَّمَ جِرَابًا مختوما، فوجدنا فيه خُبْزَ شَعِيرٍ يَابِسًا مَرْضُوضًا فَأَكَلَ! فقلت: فكيف تَخْتِمُهُ؟! قال: خِفْتُ هذين الولدين أَنْ يُلَيْنَاهُ بِسَمْنِ أَوْ زَيْتٍ.
  وكان ثَوبُهُ مَرْقُوعًا بِجِلْدِ تَارَةً وبِلِيفِ أُخْرَى، ونَعْلَاهُ مِنْ لِيْفِ، وكان يَلْبَسُ الكَرَابِيْسَ الغِلاظ! وكانت تُجْبَى إليه الأموال من جميع البلاد إلا الشام، فكان يُمَزِّقُهَا ويُفَرِّقُهَا ويقول:
  هَذَا جَنَايَ وخِيَارُهُ فِيهِ ... وكُلُّ جَانٍ يَدُهُ إِلَى فِيهِ(٢)
  وأخرج الحافظ الثقفي في الأربعين عن علي # قال: قال رسول الله ÷: «يا عَلى كيفَ أَنْتَ إِذَا زَهِدَ الناسُ في الآخرة، ورَغِبُوا في الدنيا، وأكلوا التُّرَاثَ أَكْلًا
(١) أسد الغابة ٤/ ٩٧، ومناقب آل أبي طالب للمازندراني ٢/ ١١٣، ١١٤ وعزاه للغزالي في الإحياء.
(٢) فضائل الصحابة ١/ ٦٦٤ رقم ٩٠٢ و ١/ ٦٥٣ رقم ٨٨٤، وحلية الأولياء ١/ ١٢٢ رقم ٢٤٤، والاستيعاب ٣/ ٢١٢، ومصنف ابن أبي شية ٦/ ٤٥٨ رقم، ٣٢٩٠٠، وتاريخ دمشق ٤٢/ ٤٧٨، والجامع الكبير للسيوطي ١٦/ ٢٧٨ رقم ٧٩٥٣، و مناقب آل أبي طالب ٢/ ١١٠.