الروضة الندية شرح التحفة العلوية،

محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير (المتوفى: 1182 هـ)

(ذكر شفقة النبي ÷ على علي #، ورعايته له، ودعائه له)

صفحة 392 - الجزء 1

  المشركين خَاصَّةً؛ فَإِذَا يُحْمَلُ هذا النَّهْي عَلَى تَرْجِيْحِ تَحْرِيمِ لَفْظِ البَرَاءَةِ لا على تَحْرِيمِ لَفْظِ السَّبِّ، وإِنْ كَانَ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا؛ ألا ترى أَنَّ إلْقَاءَ الْمُصْحَفِ في العَذِرَةِ أَفْحَشُ من إلقائه في دَنَّ الشَّرَاب، وإن كانا جَمِيْعًا مُحَرَّمَيْنِ، وَكَانَ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا، كذا قيل [شرح النهج ١/ ٨١٧]؟.

  ومن إِخْبَارِهِ بِالْمُغَيَّبَاتِ: إِخْبَارُهُ بِأَنَّ الخوارج لا يزال يَرْعُفُ بهم الزمان كما في النهج وغيره، وقد قال قائل: هَلَكَ القومُ بأجمعهم - بعد قتله # للخوارج! فقال: كلا واللهِ، إِنَّهُمْ نُطَفٌ في أَصْلَابِ الرجالِ وقَرَارَاتِ النساء، وكُلَّمَا نَجَمَ منهم قَرْنٌ قُطِعَ حتى يَكُونَ آخِرُهُمْ نُصُوصًا سَلَّابِينَ⁣(⁣١)! وصدق # فيما قال؛ فَإِنَّهُ مازال الخارج منهم، الثَّائِرُ بِفِتْنَتِهِمْ في أيام المروانية - الأَزَارِقَةَ والشَّرَاة⁣(⁣٢)، وما زَالَتْ فِتْنَتُهُمْ تَنْجُمُ في كل أوانٍ في ذلك الصدر وغيره كما طفحت به كتب التأريخ، وأَجْمعُهَا لأخبارهم الكَامِل لِلْمُبَرَّد. وكُلُّ هَذِهِ الإِخْبَارَاتِ مَأْخُوذَةٌ عن العلم الإلهي بواسطةِ الإِخْبَارَاتِ النَّبَوِيَّةِ، وقد كان ÷ يَخُصُّ الوَصِيَّ # بالإِخْبَارِ، ويُنَاجِيهِ ويُسَارُّهُ: كما أخرج الترمذي، وقال: حديث حسن عن علي ¥، قال: كُنْتُ إِذَا سَأَلْتُ النَّبِيَّ ÷ أَعْطَانِي، وإِذَا سَكَتُ ابْتَدَانِي⁣(⁣٣).

  ومما اختص به # إِشْفَاقُ الرَّسُولِ ÷ عليه كما ترجم على ذلك محب الدين الطبري | بما لفظه:

(ذِكْرُ شَفَقَة النَّبي ÷ على علي #، ورعَايَتِهِ لَهُ، وَدُعَائِهِ لَهُ)

  عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة عن رافع عن أبيه عن جده، قال: أَقْبَلْنَا من بدر فَفَقَدْنَا رَسُولَ اللهِ ÷ فَنَادَتْ الرِّفَاقُ بَعْضَهَا بَعْضًا أَفِيكُمْ رَسُولَ اللهِ ÷؟ فَوَقَفُوا


(١) مصنف ابن أبي شيبة ٧/ ٥٥٩ رقم ٣٧٩١٧، وشرح النهج ١/ ٢٤٤ - ٢٥٤، ونهج البلاغة ١/ ١٨١.

(٢) الشراة: الخوارج سُمُّوا بذلك لأنهم غَضِبُوا ولَجُو. لسان العرب ١٤/ ٤٢٧.

(٣) الترمذي ٥/ ٥٩٧ رقم ٣٧٢٦، ورقم ٣٧٢٩ والمستدرك ٣/ ١٢٥، وصححه وأقره الذهبي في التلخيص، وخصائص النسائي ١١٦، وحلية الأولياء لأبي نعيم ٤/ ٤٢٥ رقم ٦٠٨٣، وأسد الغابة ٤/ ١٠٤، وتاريخ دمشق رقم ٩٨٤.