الروضة الندية شرح التحفة العلوية،

محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير (المتوفى: 1182 هـ)

ذكر أنه يقاتل على تأويل القرآن كما قاتل رسول الله ÷ على تنزيله

صفحة 348 - الجزء 1

  الشيطان بالعبادة. والبيتُ إشارة إلى ما كان # من العبادة والجهاد: أَمَّا عِبَادَتُهُ فقد كان # أَعْبَدَ خَلْقِ اللهِ، وَأَكْثَرَهُمْ صَلَاةً وصَوْمًا، ومنه تَعَلَّمَ الناسُ صلاةَ الليل، ومُلَازَمَةَ الأوراد، وقِيَامَ النافلة، وما ظَنُّكَ برجل يبلغ من محافظته على وِرْدِهِ أَن يُبْسَط له النَّطْعُ بين الصَّفَيْنِ ليلة الهرير يُصَلِّي عليه وِرْدَهُ، وَالسِّهَامُ تَقَعُ بين يديه، وتَمُرُّ على صِمَاخَيْهِ يمينا وشمالا ولا يرتاع لذلك، ولا يقوم حتى يَفْرُغَ من العبادة؟! وما ظَنُّك برجل كانت جبهته كثفنة البير من طول سجوده؟! وإذا تأملت دعواته ومناجاته وَقَفْتَ على ما فيها مِنْ تَعْظِيمِ اللهِ سبحانه وإجلاله، وما تَضَمَّنتْهُ مِنَ التَّضَرُعّ والخشوع لِعِزَّتِهِ، وعرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص، وفَهِمْتَ من أي قلب خَرَجَتْ، وعلى أي لسانٍ جَرَتْ؟! وقيل لزين العابدين علي بن الحسين @ - وكان غاية في العبادة: مَا عِبَادَتُكَ مِنْ عِبَادَةِ جَدِّكَ؟ قال: عِبَادَتِي عِنْدَ عِبَادَةِ جَدِّي كَعِبَادَةِ جَدِّي عِنْدَ عِبَادَةِ رَسُولِ الله ÷، وتقدم من حديث ضرار ما سَمِعَتْهُ أُذُنَاكَ من وصفه عند معاوية.

  وأخرج ابن الحضرمي⁣(⁣١) عن أبي سعيد، قال: كان لعلي ¥ بيت في المسجد يَتَحَنَّثُ فيه: كما كان لرسول الله ÷. والتَّحَنْثُ: التَّعَبدُ [الذخائر ١٠٢].

  وأما جهاده وملازمته الحرب فَأَمْرُهُ أشهر من أن يذكر، وأوضح من أن ينشر، وقد قدمنا ما سمعتَ مِمَّا يُنَادِي على أنه مازال مُصْلِتَا سَيْفَهُ على أعداء الله منذ فرض الله الجهاد إلى أن قبضه الله إليه؛ فهو أعلى المجاهدين في الله، وأَعْظَمُهُمْ درجةً، وقد ثبت عنه ÷ أنه # يقاتل على تأويل القرآن كما قاتل رسول الله ÷ على تنزيله. قال المحب الطبري | [٧٦]:

ذِكْرُ أَنَّهُ يُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآن كَمَا قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ ÷ عَلَى تَنْزِيْلِهِ

  عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله ÷ يقول: «إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِ القُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى تَنْزِيْلِهِ»! قال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ قال:


(١) أبو جعفر محمد بن عبدالله بن سليمان، محدث، مصنف، ت: ٢٩٧ هـ، سير أعلام النبلاء ١٤/ ٤١.