[ذكر ورعه #]
  ومِنَ الإعْرَاضِ عَنِ الدُّنْيَا: الوَرَعُ عنها؛ فهو إمام أهل الوَرَعِ بلا نزاع، وهذا شيء قد وقع عليه الإجماع من جميع الفرق؛ قال المحب الطبري |:
[ذِكْرُ وَرَعِهِ #]
  عن عبدالله بن زرير(١) قال: دخلتُ على علي بن أبي طالب # يَومَ عِيْدِ الأضحى، فَقَرَّبَ إِلينا خَزِيرَةً فقلنا: أصلحك الله! لو قَرَّبْتَ إلينا من هذا البَط - يعني الإوَزَّ؛ فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَكْثَرَ الخير، فقال: يا ابن زرير سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ÷ يقول: لا يَحِلُّ لِخَلِيفَةٍ مِنْ مَالِ اللهِ إِلَّا قَصْعَتَانِ: قَصْعَةٌ يأكل منها، وقَصْعَةٌ يَضَعُهَا بَينَ أَيْدِي النَّاسِ! أخرجه أحمد(٢).
  و (الْخَزِيرَةُ): أَنْ يُنْصَبَ القِدْرُ، ويُقَطَّعُ فيه اللَّحْمُ قِطَعًا صِغَارًا، ويُصَبُّ عليها ماء كثير، فإذا نَضِجَ ذُرَّ عليه الدقيق وعُصِدَ، فإن لم يَكُنْ فِيها لَحْمٌ فَهِيَ عصيدة. وعن ابن عمر قال: حدثني رجل من ثقيف أَنَّ عَلِيًّا قال له: إذا كان عند الظهر فَرُحْ عَلَيَّ؛ فرحتُ عليه، فلم أجد عنده حَاجِبًا يَمْنَعُنِي دُونَهُ، وَوَجَدْتُهُ وعنده قدح وكُوزُ من ماءٍ، فَدَعَا بِظَبْيَة [بجراب من جلد ظبية]، فقلتُ في نفسي: لقد أمِنَني حتى يُخْرِجَ إليَّ جَوْهَرًا، ولا أدري ما فيها؟ فإذا هي عليها خَاتَم فكسر الخاتَمَ، فإذا فيها سَوِيقٌ فأخذ منها في القَدَحَ، وصب عليه ماءً فَشَرِبَ وسَقَانِي فلم أَصْبِرًا! فقلتُ: يا أمير المؤمنين تَصْنَعُ هذا بالعراق؟! فطعام العراق أكثر من ذلك! فقال: أَما والله ما أَخْتِمُ عليه بُخْلًا، ولكني أَبْتَاعُ قَدْرَ ما يكفيني، وأخافُ أَنْ يَفْنَى فَيُصْنَعُ فيه من غَيْرِهِ؛ وإنهما حِفْظِي لذلك، وأَكْرَهُ أَنْ
= عبد بن حميد ١/ ٦٢ رقم ٩٦، والجامع الكبير للسيوطي ١٦/ ٢٧٨ رقم ٧٩٥٦، والبيهقي ١٠/ ١٠٧.
(١) في الأصل: عبد الله بن رويس، والصواب ما أثبتناه. وهو عبد الله بن زُرير الغافقي المصري، من كبار التابعين، وثقه ابن سعد وغيره، وقال: شهد مع علي صفين. وقال البرقي: نسب إلى التشيع، ولم يضعف، توفي عام ٨٠ هـ أو بعدها. تهذيب الكمال ١٤/ ٥١٧ رقم ٣٢٧٢، وطبقات ابن سعد ٧/ ٥١٠ فقال يا ابن زرير، لا رؤيس كما كان.
(٢) فضائل الصحابة ٢/ ٩٠٢ رقم ١٢٤١، والبداية والنهاية ٨/ ٣، والذخائر ١٠٧، وتاريخ الإسلام، عهد الخلفاء ٦٤٤.