الروضة الندية شرح التحفة العلوية،

محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير (المتوفى: 1182 هـ)

مقدمة المؤلف

صفحة 26 - الجزء 1

  

[]

  الحمد لله المُخْتَصّ بكل كمال، المخصص لمن يشاء بخصائص التفضيل والإفضال، والصلاة والسلام على من خُتِمَتْ به سلسلة الإرسال، وعلى آله التابعين له في الأقوال والأفعال. وبعد: فإن مَنْ أشرقت على ذهنه شمس الآثار النبوية⁣(⁣١)، فسرَّح طَرْفَهُ وَفِكْرَهُ في رياض حدائقها الوردية⁣(⁣٢) - اهتدى بما فاض من مصباح مشكاة النبوة، من أنوار معارفها التي هي للعارفين مَجْلُوةُ⁣(⁣٣) إلى معرفة ما فضل الله به بعض عباده على الجماهير، وَخَصَّ بعض أفرادهم بما لم ينله الْجَمُّ الغفير، كما خص أمير المؤمنين أبا الحسن كرم الله وجهه في الجنة⁣(⁣٤) بفضائل قد عرفها كل ذي عقل؛ فضلًا عَمَّنْ شارف على العلم أو سلك نهجه - وَإِنَّهُ لما كان حُبُّهُ عَلَامَةَ أهل الإيمان، كما ثبتت به صحاح الأخبار⁣(⁣٥) عند أئمة ذلك الشأن، وكان مدحه مما تَتَحَلَّى به صحائف الحسنات، وَيُنَالُ به رفيعُ الدرجات - أَحْبَبْتُ أَنْ أُعَدَّ من مادحي ذلك الجناب، وأن أتسلق إليه بأبيات؛ لأنال جزيل الثواب، فتطفلت بأبيات اشتملت على قطرة من فضائله بل أحقر من الْقَطْرَةِ، وهيهات أن يُحدث ناظم أو ناثر بإحصائها فِكْرَهُ، فقد ثبت عن أئمة الآثار أنه لم يرد في حق أحد من الصحابة ¤ بالأسانيد الخيار أكثر مما ورد في حق إمام الأبرار⁣(⁣٦)،


(١) يُلْمِعُ إلى كتاب شمس الأخبار للقرشي. طبع.

(٢) فيه تلميح بكتاب الحدائق الوردية للشهيد حميد الْمَحَلِّي، طبع بمركز بدر بحمد الله بتحقيقنا.

(٣) مجلوة: أي يبصرها الرائي، واضحة مكشوفة. ينظر: لسان العرب ١٤/ ١٤٩.

(٤) لعل (في الجنة) في بعض النسخ زيادة من الناسخ لشيوع ذلك على الألسن. قالوا: وإنما يقال له ذلك: لكونه لم يسجد لغير الله سجدة، ولله در الشاعر:

مَنْ وَحدَ الله مَنْ قَبْل البلوغ ولم ... يَسْجُدُ لِلَاتٍ ولا عُزَّى ولا هُبَل

وقد يكون لذكره وجه وجيه؛ لأن المعنى على الدعاء هنا لا الخبر المحض؛ والدعاء حاصل مع حذفها وذكرها، والوجه قد يعبر عن الذات، ودرجاتُ التكريم في الجنة غير متناهية؛ وعلى هذا يتجه ذكرها.

(٥) يشير إلى حديث عليّ رواه مسلم وغيره «لَا يُحِبُّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يَبْغِضُنِي إِلَّا مُنَافِقٌ»، وسيأتي.

(٦) قال الحاكم: إنه سمع أحمد بن حنبل يقول: إنه لم يوجد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر مما جاء في حق علي بن أبي طالب. المستدرك ٣/ ١٠٧، والإصابة ٢/ ٥٠١، وتاريخ دمشق لابن عساكر ٤٢/ ٤١٨، وشواهد التنزيل ١/ ١٩، وفرائد السمطين ١/ ٣٧٩.