مقدمة الطبعة الثانية
  قُلْ مِنَ الْمَدْحِ بِمَا شِئْتَ فَلَمْ ... تَأْتِ فِيمَا قُلْتَهُ شَيْئًا فَريَّا
  كُلُّ مَنْ رَامَ يُدَانِي شَأْوَهُ ... فِي العُلَا فَاعْدُدْهُ رَوْمًا أَشْعَبِيًّا
  ومن عجيب أمر الممدوح وهو صنو رسول الله ÷ وفرع دوحته وشقيق روحه والمتقلب في حنانه وشفقته وقرابته وأبوته ومدرسته، وزميل جهاده، وزنده القوي وسيفه القاطع، وسهمه النافذ - أن مديحه كمديح رسول الله ÷ الذي أعقم قرائح الشعراء وبهرهم، وحينما حاول فحل الشعراء وإمام المادحين البوصيري | أن يمدح رسول الله ÷ بقصيدتيه البردة والهمزية اللتين فاقتا كل وصف، ودخلتا في باب الإعجاز - لم يأتيا في رسول الله ÷ بشيء جديد، بل هما كما قال الشاعر نفسه وهو يتجشم مديح من قال الله فيه: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا ٤٥ وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجٗا مُّنِيرٗا ٤٦}[الأحزاب: ٤٥ - ٤٦]، {وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ ١٠٧}[الأنبياء: ١٠٧].
  إِنَّمَا مَتْلُوا صَفَاتِكَ لِلنَّاس ... كَما مَثَل النُّجُومَ المَاءُ
  هو بيت لا أستطيع التعليق عليه لأنه معجز، فأنت ترى صورة النجوم بين الماء، ولكن الماء زادك بُعْدًا عن النجوم وإن كنت ترى صورتها، ولا غرابة فهم أهل البيت أجل من الوصف، وأكبر من المدح. ولقد أحسن الحسن بن هانئ أبو نواس حين قال بعد أن عاتبه المأمون على تركه لمدح الإمام علي بن موسى الرضا:
  قيل لي أَنْتَ أَحْسَنُ النَّاسِ طُرًا ... في فُنُون من فنونِ مِنَ الكَلَامِ النَّبِيهِ
  لَكَ مِنْ جِيدِ القَرِيضِ مَدِيحُ ... يُثْمِرُ الدُّرَّ فِي يَدَيْ مُجْتَنِيه
  فَعَلَامَ تَرَكْتَ مَدْحَ ابْن مُوسَى ... والخصَالِ الَّتِي تَجَمَّعُن فيه
  قُلْتُ لَا أَهْتَدِي لِمَدْحِ إِمَام ... كَانَ جِبْرِيلُ خَادِما لأبيه
  قَصُرَتْ أَلْسُنُ الْفَصَاحَةِ عَنْهُ ... وَلِهَذَا القَرِ وَلِهَذَا القَرِيضُ لَا يَحْتَوِي(١)
  نعم نحن في حضرة بيت مقدس، وزرع مبارك.
(١) الأبيات لم ترد في ديوانه، وهي في وفيات الأعيان ١/ ٣٢١.