فائدة: [في تقسيم الوظائف]
  وفي رواية عن الترمذي: «كان أحب العمل إلى رسول الله ÷ ما ديم عليه»(١).
فائدة: [في تقسيم الوظائف]
  قال بعض علمائنا الزاهدين(٢) - رحمهم الله تعالى -:
= قلتُ [أي الإمام #]: وكلام ابن الأثير هنا لا يخلو عن نظرٍ؛ لأن قولهم: (حتى يشيب الغراب)، عُلِّق بمستحيل، فقضى بأنه لا يكون أبداً، وأما قوله: (حتى تملّوا)، فليس مللهم بمستحيل، وكذلك قوله: (حتى تملوا سؤاله)، لم يرد هذا في الدعاء والسؤال بل في العمل كما صرح به هو، فإنه روى الحديث: «اعملوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمِلّ حتى تملوا»، ولم أرَ للعلامة ابن الأثير تفسيراً يلوح عليه آثار الركة ككلامه في هذا المعنى، والذي ينقدح في النفس ويغلب على الظن: أن المبالِغ في العمل المستكثِر منه متصور بصورة من يريد أن يبلغ بذلك إلى غاية معناها أن يكتفي الله منه بما قد فعل، ولا يريد الزيادة عليه، واستعير لذلك معنى الملل، كعبدٍ يجِدّ في خدمة سيده وبالغ فيها حتى قنع سيده بما قد وقع منه واستكثره واستمر منه، فأراد النبي ÷ التنبيه على أن هذا أمر لا يبلغ إليه ولا ينتهي المفرط في كثرة العمل من الصلاة والصوم والتهجد والتصدق إليه، وأن الله سبحانه لا ينتهي حال المفرط في عبادته إلى حد يكتفي منه بما قد فعل ويقدم ويجتزئ به، ويكون مراد الله تعالى أن يكفّ من بعد ذلك ويترك بالكلية، وإذا كان هذا أمر لا غاية له، فحق العبد أن يتحمل من العمل ما يطيق ولا يفضي به هو إلى أن يسأم ويمل ويعجز ليستمر عليه ولا يعود إلى تركه فيؤول أمره إلى أن خاتمته دون ما كان عليه وإلى التقصير في العمل، فجدير بذي الهمة العالية في الدين ألا يرتضي العود إلى حالة ناقصة، وأن يختم عمره بالتقصير في وظائف طاعته، وأن يطمع في الازدياد، وعبّر عن هذا المعنى بالملل - وإن كان لا يجوز على الله تعالى - للمشاكلة، كقوله تعالى: {تعْلمُ ما في نَفْسِي ولا أعلمُ ما في نَفْسِكَ}[المائدة: ١١٦]، وليس لله نفس، وإنما عبر بها عن ذات الله وما في علمه، والله سبحانه أعلم). [الفتاوى: ١٢٠].
(١) الترمذي [٥/ ١٤٢] رقم (٢٨٥٦).
(٢) هو الفقيه العابد إبراهيم بن أحمد الكينعي ¦.