القسم الثالث: [في أهمية الإخلاص]
  وصمتم حتى تكونوا كالأوتار(١)، وتوفيتم بين الركن والمقام، ما نفعكم ذلك؛ إلا بالورع»(٢)، «ألا وإن الدين الورع، ألا وإن الدين الورع، ألا وإن الدين الورع».
  وأنفع أسباب الورع: استشعار الخوف؛ فإن «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل».
  فمقتضى الخوف: عدم الغفلة عن قصر المدة وقرب الرحلة؛ وإنما جعل ÷ الخطر عظيما بقوله: «والمخلصون على خطرٍ عظيم» لكثرة الدواعي إلى المعاصي، وسعة الآمرين بها، والداعين إليها من: شياطين الإنس، والجن، والشهوات، والنفس فإنها الأمَّارة بالسوء بنص القرآن، وهي قاهرة للإنسان، وآخذة بالناصية في منهج العصيان.
  قال بعض الواعظين: يا مقهورا بغلبة النفس، صُلْ عليها بطول العزيمة، فإنها إن عرفتْ جدك استأسرت لك، وامنعها عن لذيذ المباح، لتصطلحا على ترك الحرام. الشيطان والدنيا عدوان بائنان عنك، والنفس عدو مباطن لك، ومن آداب
(١) الأوتار: جمع وتر، وهو ما يشد به القوس لرمي النبل، والمراد: حتى يؤثِّر فيكم الصوم بالضعف والهزال حتى تكونوا أشبه بأوتار القسي في نحافتها ودقتها.
(٢) السمرقندي في تنبيه الغافلين عن أحاديث سيد الأنبياء والمرسلين [١/ ٤٧٣] رقم (٧٣٦) مرفوعا، والغزالي في الإحياء [٢/ ٩١] عن ابن عمر موقوفا.