باب الجهاد والحث عليه
  من يجب الجهاد حينئذ، والمعلوم من دين أصحاب محمد ÷ أن أحداً لا يجوز له أن يتأخر عن النفير إلا لعذر مما ذكره الله سبحانه في كتابه أو إذن من رسول الله ÷ وكذلك أعوان الأئمة المتمسكون بالحق كانت هذه حالهم، والمعلوم لنا ضرورة أن المسلمين كانوا يجددون الاستئذان عند كل حادثة تحدث على رسول الله ÷ أو منه.
  واعلم أن واجب الكفاية المراد به هاهنا أنه إذا استقل بعض المسلمين بحرب من يجب حربه جاز للآخرين الإذن بالتخلف، فأما إذا لم يقع الاستقلال فالتأخر عن الجهاد لا يجوز لا بإذن ولا بغير إذن لأنه محظور (فلا يفسخه)(١) الإذن وإن كان يجوز لإمام الحق الإذن اقتداءً برسول الله ÷ كما كان يأذن للمنافقين، كالجد بن قيس وغيره، وكذلك فعل الحسين بن علي # ومحمد بن عبد الله # لما انهزم أصحابه فقال: «إلى أين يا قوم، إلى أين يا ناس، النار أمامكم، والجنة خلفكم»، فلما يئس من رجوعهم قال: «اللهم إنهم عجزوا عن جهاد عدوك، فاجعلهم في حل من بيعتي»، ونحن أذنا لمن قل صبره، وإلى يومنا الحرب قائمة مع العدو لبغيه لا للدفع، وبغيه باق، فتعين على الكافة حربه.
  وحكم تارك الجهاد سقوط العدالة والفسق عند أهل العلم؛ لأنه كبيرة كتارك الصلاة والزكاة، بل هو أولى لأنهما ينقصان ليتم كالمسايف ولاحق العدو، ومن يخشى فوته ويخشى(٢) عودته فإنه يصلي مخفاً ومومياً لأجل ذلك، وقد قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}[الأنفال: ٣٩] وهو أمرٌ
(١) في (ب): ولا يبيحه.
(٢) في (ب): وتخشى.