المهذب في فتاوي الإمام المنصور بالله،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

باب الهجرة والحث عليها

صفحة 493 - الجزء 1

  وفي غير وقته أيضاً.

  وقد ذكر الحاكم | في (تحكيم العقول) أن من علم أن الانتقال من جهة إلى جهة يكون أقرب إلى فعل الطاعات وترك المعاصي وجب عليه الانتقال، ولا شك أن الطاعة مع المتمسكين بظاهر الإسلام أهون، والعبد إليها مع الصالحين أقرب، ومن كان لا يخلو سمعه في كثير من الأوقات من الأصوات المنكرة ومشاهدة العهار والبغايا يتجاذبون، والسكارى يتراتعون ويتصايحون فإنه يقسو قلبه، ويزداد أنساً بالمعاصي، وهذا كله في غير وقت الإمام، فأما في وقته فمن سمع واعيته ولم يجبه كبه الله على منخريه في نار جهنم، وإجابته لا تكون بالإقامة في دار عدوه، وتغليظ سواد محاربه، والمعونة لمن يصب الحرب له، وسواء كانت المعونة باختيار المعين أو بغير اختياره؛ لأن الهجرة عنهم كانت تمكنه، كما أن رسول الله صلى الله عليه أسر العباس عمّه مع قوله: كنت مسلماً وإنما أكرهني القوم، فلم يجعل قوله عذراً له في ترك الهجرة ومباينتهم وجعله عوناً لهم وإن كان مكرهاً، وقد ثبت من دين أهل البيت $ أن الخاذل لهم فاسق، ومن المعلوم أن الساكن مع الظالمين أكثر مضرة، وأنفع للفاسقين، وأقبح حالة، وأبشع⁣(⁣١) جرماً من الخاذلين.

  فإن كانت الدار الغالب عليها الكفر من قول باطن⁣(⁣٢) أو جبر أو تشبيه ولهم السيف والمنبر فحكم المقيم بينهم إذا كان متمكناً من الخروج والهجرة حكمهم في الكفر، وإن كان الغالب عليها الفسق فحكمهم في أيام الإمام حكم الفاسقين، وفي غير وقته حكم الصالحين إلا أن يغلب في الظن أنهم إذا انفصلوا عنها يكونون أقرب


(١) في (ب): وأشنع.

(٢) في (ب): بباطن.