الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة هود #

صفحة 427 - الجزء 2

  كالزرع القائم على ساقه والذي حصد. فإن قلت: ما محل هذه الجملة؟ قلت: هي مستأنفة لا محل لها {وَما ظَلَمْناهُمْ} بإهلاكنا إياهم {وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} بارتكاب ما به أهلكوا {فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ} فما قدرت أن ترد عنهم بأس الله {يَدْعُونَ} يعبدون وهي حكاية حال ماضية. و {لَمَّا} منصوب بما أغنت {أَمْرُ رَبِّكَ} عذابه ونقمته {تَتْبِيبٍ} تخسير. يقال تبّ إذا خسر. وتببه غيره، إذا أوقعه في الخسران.

  {وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ١٠٢}

  محل الكاف الرفع، تقديره: ومثل ذلك الأخذ {أَخْذُ رَبِّكَ} والنصب فيمن قرأ: وكذلك أخذ ربك، بلفظ الفعل. وقرئ: إذ أخذ القرى {وَهِيَ ظالِمَةٌ} حال من القرى {أَلِيمٌ شَدِيدٌ} وجيع صعب على المأخوذ. وهذا تحذير من وخامة عاقبة الظلم لكل أهل قرية ظالمة من كفار مكة وغيرها، بل لكل من ظلم غيره أو نفسه بذنب يقترفه. فعلى كل من أذنب أن يحذر أخذ ربه الأليم الشديد، فيبادر التوبة ولا يغتر بالإمهال.

  {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ١٠٣}

  {ذلِكَ} إشارة إلى ما قص الله من قصص الأمم الهالكة بذنوبهم {لَآيَةً لِمَنْ خافَ} لعبرة له، لأنه ينظر إلى ما أحل الله بالمجرمين في الدنيا، وما هو إلا أنموذج مما أعدّ لهم في الآخرة، فإذا رأى عظمه وشدّته اعتبر به عظم العذاب الموعود، فيكون له عبرة وعظة ولطفاً في زيادة التقوى والخشية من الله تعالى. ونحوه {إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى}. {ذلِكَ} إشارة إلى يوم القيامة، لأنّ عذاب الآخرة دلّ عليه. و {النَّاسُ} رفع باسم المفعول الذي هو مجموع كما يرفع بفعله إذا قلت يجمع له الناس. فإن قلت: لأى فائدة أوثر اسم المفعول على فعله؟ قلت: لما في اسم المفعول من دلالة على ثبات معنى الجمع لليوم وأنه يوم لا بدّ من أن يكون ميعاداً