الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الطارق

صفحة 734 - الجزء 4

سورة الطارق

  مكية، وآياتها ١٧ [نزلت بعد البلد]

  

  {وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ ١ وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ ٢ النَّجْمُ الثَّاقِبُ ٣}

  {النَّجْمُ الثَّاقِبُ} المضيء، كأنه يثقب الظلام بضوئه فينفذ فيه، كما قيل: درّاء، لأنه يدرؤه، أى: يدفعه. ووصف بالطارق، لأنه يبدو بالليل، كما يقال للآتى ليلا: طارق: أو لأنه يطرق الجنى، أى يصكه. والمراد: جنس النجوم، أو جنس الشهب التي يرجم بها. فإن قلت: ما يشبه قوله {وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ} إلا ترجمة كلمة بأخرى، فبين لي أى فائدة تحته؟ قلت: أراد الله عز من قائل: أن يقسم بالنجم الثاقب تعظيما له، لما عرف فيه من عجيب القدرة ولطيف الحكمة، وأن ينبه على ذلك فجاء بما هو صفة مشتركة بينه وبين غيره، وهو الطارق، ثم قال: {وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ}؟ ثم فسره بقوله {النَّجْمُ الثَّاقِبُ} كل هذا إظهار لفخامة شأنه، كما قال {فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} روى أنّ أبا طالب كان عند رسول الله ÷، فانحط نجم، فامتلأ ما ثم نورا. فجزع أبو طالب وقال: أى شيء هذا؟ فقال #: هذا نجم رمى به، وهو آية من آيات الله، فعجب أبو طالب، فنزلت.

  {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ ٤}

  فإن قلت: ما جواب القسم؟ قلت {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ} لأنّ «إن» لا تخلو فيمن قرأ لما مشددة، بمعنى: إلا أن تكون نافية. وفيمن قرأها مخففة على أن «ما» صلة تكون مخففة من الثقيلة، وأيتهما كانت فهي مما يتلقى به القسم، حافظ مهيمن عليها رقيب، وهو الله ø {وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً}، {وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً} وقيل: ملك يحفظ عملها ويحصى عليها ما تكسب من خير وشر. وروى عن النبي ÷: «وكل بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل الذباب. ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين».