الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الحاقة

صفحة 598 - الجزء 4

سورة الحاقة

  مكية، وآياتها ٥٢ [نزلت بعد الملك]

  

  {الْحَاقَّةُ ١ مَا الْحَاقَّةُ ٢ وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ ٣ كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ ٤ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ ٥ وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ ٦ سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ ٧ فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ ٨}

  {الْحَاقَّةُ} الساعة الواجبة الوقوع الثابتة المجيء، التي هي آتية لا ريب فيها. أو التي فيها حواق الأمور من الحساب والثواب والعقاب. أو التي تحق فيها الأمور، أى: تعرف على الحقيقة، من قولك لا أحق هذا، أى: لا أعرف حقيقته. جعل الفعل لها وهو لأهلها وارتفاعها على الابتداء وخبرها {مَا الْحَاقَّةُ} والأصل: الحاقة ما هي، أى أىّ شيء هي تفخيما لشأنها وتعظيما لهو لها، فوضع الظاهر موضع المضمر، لأنه أهول لها {وَما أَدْراكَ} وأىّ شيء أعلمك ما الحاقة، يعنى: أنك لا علم لك بكنهها ومدى عظمها، على أنه من العظم والشدة بحيث لا يبلغه دراية أحد ولا وهمه، وكيفما قدرت حالها فهي أعظم من ذلك، و {ما} في موضع الرفع على الابتداء. و {أَدْراكَ} معلق عنه لتضمنه معنى الاستفهام. {بِالْقارِعَةِ} التي تقرع الناس بالأفزاع والأهوال، والسماء بالانشقاق والانفطار، والأرض والجبال بالدك والنسف، والنجوم بالطمس والانكدار. ووضعت موضع الضمير لتدل على معنى القرع. في الحاقة: زيادة في وصف شدتها، ولما ذكرها وفخمها أتبع ذكر ذلك ذكر من كذب بها وما حل بهم بسبب التكذيب، تذكيرا لأهل مكة وتخويفا لهم من عاقبة تكذيبهم {بِالطَّاغِيَةِ} بالواقعة المجاوزة للحد في الشدة. واختلف فيها،