الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة المنافقون

صفحة 538 - الجزء 4

سورة المنافقون

  مدنية، وهي إحدى عشرة آية [نزلت بعد الحج]

  

  {إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ ١ اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ٢ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ٣}

  أرادوا بقولهم {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ} شهادة واطأت فيها قلوبهم ألسنتهم. فقال الله ø: قالوا ذلك {وَاللهُ يَعْلَمُ} أن الأمر كما يدل عليه قولهم: إنك لرسول الله، والله يشهد إنهم لكاذبون في قولهم: نشهد، وادعائهم فيه المواطأة. أو إنهم لكاذبون فيه، لأنه إذا خلا عن المواطأة لم يكن شهادة في الحقيقة، فهم كاذبون في تسميته شهادة. أو أراد: والله يشهد إنهم لكاذبون عند أنفسهم: لأنهم كانوا يعتقدون أنّ قولهم {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ} كذب وخبر على خلاف ما عليه حال المخبر عنه. فإن قلت: أى فائدة في قوله تعالى {وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ}؟ قلت: لو قال: قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يشهد إنهم الكاذبون، لكان يوهم أنّ قولهم هذا كذب، فوسط بينهما قوله {وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} ليميط هذا الإيهام {اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً} يجوز أن يراد أنّ قولهم نشهد إنك لرسول الله يمين من أيمانهم الكاذبة، لأنّ الشهادة تجرى مجرى الحلف فيما يراد به من التوكيد، يقول الرجل: أشهد وأشهد بالله، وأعزم وأعزم