الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة هود #

صفحة 436 - الجزء 2

  {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ١١٥}

  ثم كرّ إلى التذكير بالصبر بعد ما جاء بما هو خاتمة للتذكير، وهذا الكرور لفضل خصوصية ومزية وتنبيه على مكان الصبر ومحله، كأنه قال: وعليك بما هو أهمّ مما ذكرت به وأحق بالتوصية، وهو الصبر على امتثال ما أمرت به والانتهاء عما نهيت عنه، فلا يتم شيء منه إلا به {فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} جاء بما هو مشتمل على الاستقامة وإقامة الصلوات والانتهاء عن الطغيان والركون إلى الظالمين والصبر وغير ذلك من الحسنات.

  {فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ ١١٦}

  {فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ} فهلا كان. وقد حكوا عن الخليل: كل «لو لا» في القرآن فمعناها «هلا» إلا التي في الصافات، وما صحت هذه الحكاية ففي غير الصافات {لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ}، {وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ}، {وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ}. {أُولُوا بَقِيَّةٍ} أو لو فضل وخير. وسمى الفضل والجودة بقية لأنّ الرجل يستبقى مما يخرجه أجوده وأفضله، فصار مثلا في الجودة والفضل. ويقال: فلان من بقية القوم، أى من خيارهم. وبه فسر بيت الحماسة:

  إنْ تُذْنِبُوا ثُمَّ يَأْتِينِى بَقِيَّتُكُمْ