الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة إبراهيم

صفحة 562 - الجزء 2

  عبادتي {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} في قراءة أبىّ: ولأبوىّ. وقرأ سعيد بن جبير: ولوالدي، على الإفراد، يعنى أباه. وقرأ الحسن بن على ®: ولولدىّ، يعنى إسماعيل وإسحاق. وقرئ: لولدي، بضم الواو. والولد بمعنى الولد، كالعدم والعدم. وقيل: جمع ولد، كأسد في أسد. وفي بعض المصاحف: ولذرّيتى. فإن قلت: كيف جاز له أن يستغفر لأبويه وكانا كافرين؟ قلت: هو من مجوّزات العقل لا يعلم امتناع جوازه إلا بالتوقيف. وقيل: أراد بوالديه آدم وحواء. وقيل: بشرط الإسلام. ويأباه قوله {إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} لأنه لو شرط الإسلام لكان استغفاراً صحيحا لا مقال فيه، فكيف يستثنى الاستغفار الصحيح من جملة ما يؤتسى فيه بإبراهيم {يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ} أى يثبت، وهو مستعار من قيام القائم على الرجل، والدليل عليه قولهم: قامت الحرب على ساقها. ونحوه قولهم: ترجلت الشمس: إذا أشرقت وثبت ضوؤها، كأنها قامت على رجل. ويجوز أن يسند إلى الحساب قيام أهله إسناداً مجازيا، أو يكون مثل {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} وعن مجاهد: قد استجاب الله له فيما سأل، فلم يعبد أحد من ولده صنما بعد دعوته، وجعل البلد آمنا، ورزق أهله من الثمرات. وجعله إماما، وجعل في ذريته من يقيم الصلاة، وأراه مناسكه، وتاب عليه. وعن ابن عباس ® أنه قال: كانت الطائف من أرض فلسطين، فلما قال إبراهيم {رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ} الآية، رفعها الله فوضعها حيث وضعها رزقا للحرم.

  {وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ ٤٢ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ ٤٣}

  فإن قلت: يتعالى الله عن السهو والغفلة، فكيف يحسبه رسول الله ÷ وهو أعلم الناس به غافلا حتى قيل {وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً}؟ قلت: إن كان خطابا لرسول الله ÷ ففيه وجهان. أحدهما التثبيت على ما كان عليه من أنه لا يحسب الله غافلا، كقوله {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، {وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ}، كما جاء في الأمر {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ} والثاني: أنّ المراد بالنهى عن حسبانه غافلا، الإيذان بأنه عالم بما يفعل الظالمون، لا يخفى عليه منه شيء، وأنه معاقبهم على قليله وكثيره على سبيل الوعيد والتهديد كقوله: {وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} يريد الوعيد. ويجوز أن يراد: ولا تحسبنه يعاملهم معاملة