الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة النحل

صفحة 608 - الجزء 2

  إلا رجالا بالبينات، كقولك: ما ضربت إلا زيداً بالسوط، لأن أصله: ضربت زيداً بالسوط وإما برجالا، صفة له: أى رجالا ملتسين بالبينات. وإما بأرسلنا مضمراً، كأنما قيل: بم أرسلوا؟ فقلت بالبينات، فهو على كلامين، والأوّل على كلام واحد. وإما بيوحى، أى: يوحى إليهم بالبينات. وإما بلا تعلمون، على أن الشرط في معنى التبكيت والإلزام، كقول الأجير: إن كنت عملت لك فأعطنى حقي. وقوله {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} اعتراض على الوجوه المتقدّمة، وأهل الذكر: أهل الكتاب. وقيل للكتاب الذكر، لأنه موعظة وتنبيه للغافلين {ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} يعنى ما نزل الله إليهم في الذكر مما أمروا به ونهوا عنه ووعدوا وأوعدوا {وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} وإرادة أن يصغوا إلى تنبيهاته فيتنبهوا ويتأملوا.

  {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ ٤٥ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ ٤٦ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ٤٧}

  {مَكَرُوا السَّيِّئاتِ} أى المكرات السيئات، وهم أهل مكة، وما مكروا به رسول الله ÷ {فِي تَقَلُّبِهِمْ} متقلبين في مسايرهم ومتاجرهم وأسباب دنياهم {عَلى تَخَوُّفٍ} متخوفين، وهو أن يهلك قوما قبلهم فيتخوّفوا فيأخذهم بالعذاب وهم متخوفون متوقعون، وهو خلاف قوله {مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} وقيل: هو من قولك: تخوفنه وتخونته، إذا تنقصته: قال زهير:

  تَخَوَّفَ الرَّحْلُ مِنْهَا تَامِكاً قَرِداً ... كَمَا تَخَوَّفَ عُودَ النّبْعة السَّفَنُ

  أى يأخذهم على أن يتنقصهم شيئاً بعد شيء في أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا. وعن عمر رضى الله عنه. أنه قال على المنبر: ما تقولون فيها؟ فسكتوا فقام شيخ من هذيل فقال: هذه لغتنا: التخوّف