الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الإسراء

صفحة 687 - الجزء 2

  وقنوتا. وهي حجة على ابن علية والأصم في زعمهما أن القراءة ليست بركن {مَشْهُوداً} يشهده ملائكة الليل والنهار، ينزل هؤلاء، ويصعد هؤلاء، فهو في آخر ديوان الليل وأول ديوان النهار. أو يشهده الكثير من المصلين في العادة. أو من حقه أن يكون مشهوداً بالجماعة الكثيرة. ويجوز أن يكون {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} حثا على طول القراءة في صلاة الفجر، لكونها مكثورا عليها، ليسمع الناس القرآن فيكثر الثواب، ولذلك كانت الفجر أطول الصلوات قراءة {وَمِنَ اللَّيْلِ} وعليك بعض الليل {فَتَهَجَّدْ بِهِ} والتهجد ترك الهجود للصلاة، ونحوه التأثم والتحرّج. ويقال أيضا في النوم: تهجد {نافِلَةً لَكَ} عبادة زائدة لك على الصلوات الخمس، وضع نافلة موضع تهجدا، لأن التهجد عبادة زائدة فكان التهجد والنافلة يجمعهما معنى واحد. والمعنى أن التهجد زيد لك على الصلوات المفروضة فريضة عليك خاصة دون غيرك، لأنه تطوع لهم {مَقاماً مَحْمُوداً} نصب على الظرف، أى: عسى أن يبعثك يوم القيامة فيقيمك مقاما محمودا. أو ضمن يبعثك معنى يقيمك. ويجوز أن يكون حالا بمعنى أن يبعثك ذا مقام محمود. ومعنى المقام المحمود: المقام الذي يحمده القائم فيه، وكل من رآه وعرفه وهو مطلق في كل ما يجب الحمد من أنواع الكرامات. وقيل: المراد الشفاعة، وهي نوع واحد مما يتناوله. وعن ابن عباس ®: مقام يحمدك فيه الأولون والآخرون، وتشرف فيه على جميع الخلائق: تسأل فتعطى، وتشفع فتشفع، ليس أحد إلا تحت لوائك. وعن أبى هريرة عن النبي ÷: هو المقام الذي أشفع فيه لأمّتى. وعن حذيفة يجمع الناس في صعيد واحد، فلا تتكلم نفس، فأوّل مدعوّ محمد ÷ فيقول: «لبيك وسعديك والشرّ ليس إليك، والمهدىّ من هديت، وعبدك بين يديك وبك وإليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، سبحانك رب البيت» قال: فهذا قوله {عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً}.