الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الكهف

صفحة 717 - الجزء 2

  وقال قوم من رؤساء الكفرة لرسول الله ÷: نحّ هؤلاء الموالي الذين كأن ريحهم ريح الضأن، وهم: صهيب وعمار وخباب وغيرهم من فقراء المسلمين، حتى نجالسك كما قال قوم نوح: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} فنزلت: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} واحبسها معهم وثبتها. قال أبو ذؤيب:

  فصبرت عارفة لذلك حرّة ... ترسو إذا نفس الجبان تطلّع

  {بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ} دائبين على الدعاء في كل وقت. وقيل: المراد صلاة الفجر والعصر. وقرئ: بالغدوة، وبالغداة أجود، لأن غدوة علم في أكثر الاستعمال، وإدخال اللام على تأويل التنكير كما قال:

  ... والزّيد زيد المعارك

  ونحوه قليل في كلامهم. يقال: عداه إذا جاوزه ومنه قولهم. عدا طوره. وجاءني القوم عدا زيدا. وإنما عدى بعن، لتضمين عدا معنى نبا وعلا، في قولك: نبت عنه عينه وعلت عنه عينه: إذا اقتحمته ولم تعلق به. فإن قلت: أى غرض في هذا التضمين؟ وهلا قيل: ولا تعدهم عيناك، أو لا تعل عيناك عنهم؟ قلت الغرض فيه إعطاء مجموع معنيين، وذلك أقوى من إعطاء معنى فذ. ألا ترى كيف رجع المعنى إلى قولك: ولا تقتحمهم عيناك مجاوزتين إلى غيرهم؟ ونحوه قوله تعالى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ} أى ولا تضموها إليها أكلين لها. وقرئ: ولا تعد عينيك، ولا تعدّ عينيك، من أعداه وعدّاه نقلا بالهمزة وتثقيل الحشو. ومنه قوله:

  فعد عمّا ترى إذ لا ارتجاع له