الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الأنبياء

صفحة 109 - الجزء 3

  كما ذكرت، ولكنهم بادّعائهم لها الإلهية، يلزمهم أن يدعوا لها الإنشار، لأنه لا يستحق هذا الاسم إلا القادر على كل مقدور، والإنشار من جملة المقدورات. وفيه باب من التهكم بهم والتوبيخ والتجهيل، وإشعار بأنّ ما استبعدوه من الله لا يصح استبعاده، لأنّ الإلهية لما صحت صحّ معها الاقتدار على الإبداء والإعادة. ونحو قوله {مِنَ الْأَرْضِ} قولك: فلان من مكة أو من المدينة، تريد: مكي أو مدنى. ومعنى نسبتها إلى الأرض: الإيذان بأنها الأصنام التي تعبد في الأرض: لأنّ الآلهة على ضربين: أرضية وسماوية. ومن ذلك حديث الأمة التي قال لها رسول الله ÷: «أين ربك»؟ فأشارت إلى السماء، فقال إنها مؤمنة لأنه فهم منها أنّ مرادها نفى الآلهة الأرضية التي هي الأصنام، لا إثبات السماء مكانا لله ø. ويجوز أن يراد آلهة من جنس الأرض، لأنها إمّا أن تنحت من بعض الحجارة، أو تعمل من بعض جواهر الأرض. فإن قلت: لا بدّ من نكتة في قوله {هُمْ} قلت: النكتة فيه إفادة معنى الخصوصية، كأنه قيل: أم اتخذوا آلهة لا يقدر على الإنشار إلا هم وحدهم. وقرأ الحسن {يُنْشِرُونَ} وهما لغتان: أنشر الله الموتى، ونشرها. وصفت آلهة بإلا كما توصف بغير، لو قيل آلهة غير الله.