الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الأنبياء

صفحة 133 - الجزء 3

  سأل ربه أن يرزقه ولدا يرثه ولا يدعه وحيدا بلا وارث، ثم ردّ أمره إلى الله مستسلما فقال {وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ} أى إن لم ترزقني من يرثني فلا أبالى، فإنك خير وارث. إصلاح زوجه: أن جعلها صالحة للولادة بعد عقرها. وقيل: تحسين خلقها وكانت سيئة الخلق. الضمير للمذكورين من الأنبياء $ يريد أنهم ما استحقوا الإجابة إلى طلباتهم إلا لمبادرتهم أبواب الخير ومسارعتهم في تحصيلها كما يفعل الراغبون في الأمور الجادون. وقرئ {رَغَباً وَرَهَباً} بالإسكان، وهو كقوله تعالى {يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ}. {خاشِعِينَ} قال الحسن: ذللا لأمر الله. وعن مجاهد: الخشوع الخوف الدائم في القلب. وقيل: متواضعين. وسئل الأعمش فقال: أما إنى سألت إبراهيم فقال: ألا تدرى؟ قلت: أفدنى. قال: بينه وبين الله إذا أرخى ستره وأغلق بابه، فلير الله منه خيرا، لعلك ترى أنه أن يأكل خشنا ويلبس خشنا ويطأطئ رأسه.

  {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ ٩١}

  {أَحْصَنَتْ فَرْجَها} إحصانا كليا من الحلال والحرام جميعا كما قالت {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا}. فإن قلت: نفخ الروح في الجسد عبارة عن إحيائه. قال الله تعالى {فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} أى أحييته. وإذا ثبت ذلك كان قوله {فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا} ظاهر الإشكال، لأنه يدل على إحياء مريم. قلت: معناه نفخنا الروح في عيسى فيها، أى: أحييناه في جوفها. ونحو ذلك أن يقول الزمار: نفخت في بيت فلان، أى: نفخت في المزمار في بيته. ويجوز أن يراد: وفعلنا النفخ في مريم من جهة روحنا وهو جبريل #، لأنه نفخ في جيب درعها فوصل النفخ إلى جوفها. فإن قلت: هلا قيل آيتين كما قال {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ}؟ قلت: لأن حالهما بمجموعهما آية واحدة، وهي ولادتها إياه من غير فحل.

  {إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ٩٢}