الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الحج

صفحة 152 - الجزء 3

  {وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ٢٦}

  واذكر حين جعلنا {لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ} مباءة، أى: مرجعا يرجع إليه للعمارة والعبادة. رفع البيت إلى السماء أيام الطوفان وكان من ياقوتة حمراء، فأعلم الله إبراهيم مكانه بريح أرسلها يقال لها الخجوج: كنست ما حوله، فبناه على أسه القديم. وأن هي المفسرة. فإن قلت: كيف يكون النهى عن الشرك والأمر بتطهير البيت تفسيرا للتبوئة؟ قلت: كانت التبوئة مقصودة من أجل العبادة، فكأنه قيل: تعبدنا إبراهيم قلنا له: {لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} من الأصنام والأوثان والأقذار أن تطرح حوله. وقرئ: يشرك، بالياء على الغيبة.

  {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ٢٧}

  {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ} ناد فيهم. وقرأ ابن محيصن: وآذن. والنداء بالحج: أن يقول: حجوا، أو عليكم بالحج. وروى أنه صعد أبا قبيس فقال: يا أيها الناس حجوا بيت ربكم. وعن الحسن أنه خطاب لرسول الله ÷، أمر أن يفعل ذلك في حجة الوداع {رِجالاً} مشاة جمع راجل، كقائم وقيام. وقرئ: رجالا، بضم الراء مخفف الجيم ومثقله، ورجالي كعجالى عن ابن عباس {وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ} حال معطوفة على حال، كأنه قال: رجالا وركبانا {يَأْتِينَ} صفة لكل ضامر، لأنه في معنى الجمع. وقرئ: يأتون، صفة للرجال والركبان. والعميق: البعيد، وقرأ ابن مسعود: معيق. يقال: بئر بعيدة العمق والمعق.

  {لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ ٢٨}

  نكر المنافع لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادات. وعن أبى حنيفة |: أنه كان يفاضل بين العبادات قبل أن يحج، فلما حجّ فضل