الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الحج

صفحة 155 - الجزء 3

  الْأَوْثانِ} بيان للرجس وتمييز له، كقولك: عندي عشرون من الدراهم، لأنّ الرجس مبهم يتناول غير شيء، كأنه قيل: فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان. والزور من الزور والازورار وهو الانحراف، كما أنّ الإفك من أفكه إذا صرفه. وقيل {قَوْلَ الزُّورِ} قولهم: هذا حلال وهذا حرام، وما أشبه ذلك من افترائهم. وقيل: شهادة الزور. عن النبي ÷ أنه صلى الصبح فلما سلم قام قائما واستقبل الناس بوجهه وقال «عدلت شهادة الزور الإشراك بالله، عدلت شهادة الزور الإشراك بالله، عدلت شهادة الزور الإشراك بالله» وتلا هذه الاية. وقيل: الكذب والبهتان. وقيل: قول أهل الجاهلية في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك. يجوز في هذا التشبيه أن يكون من المركب والمفرق، فإن كان تشبيها مركبا فكأنه قال: من أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكا ليس بعده نهاية، بأن صور حاله بصورة حال من خرّ من السماء فاختطفته الطير، فتفرق مزعا في حواصلها، أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المطاوح البعيدة. وإن كان مفرقا فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء، والذي ترك الإيمان وأشرك بالله بالساقط من السماء، والأهواء التي تتوزع أفكاره بالطير المختطفة، والشيطان الذي يطوّح به في وادى الضلالة بالريح التي تهوى بما عصفت به في بعض المهاوى المتلفة.