سورة الحج
  ذلك من سائر المسخرات. وقرئ {وَالْفُلْكَ} بالرفع على الابتداء {أَنْ تَقَعَ} كراهة أن تقع {إِلَّا} بمشيئته {أَحْياكُمْ} بعد أن كنتم جمادا ترابا، ونطفة، وعلقة، ومضغة {لَكَفُورٌ} لجحود لما أفاض عليه من ضروب النعم.
  {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ ٦٧}
  هو نهى لرسول الله ÷، أى: لا تلتفت إلى قولهم ولا تمكنهم من أن ينازعوك. أو هو زجر لهم عن التعرض لرسول الله ÷ بالمنازعة في الدين وهم جهال لا علم عندهم وهم كفار خزاعة. روى أن بديل بن ورقاء وبشر بن سفيان الخزاعيين وغيرهما قالوا للمسلمين: ما لكم تأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون ما قتله الله! يعنون الميتة. وقال الزجاج: هو نهى له ÷ عن منازعتهم، كما تقول: لا يضار بنك فلان، أى: لا تضاربه. وهذا جائز في الفعل الذي لا يكون إلا بين اثنين {فِي الْأَمْرِ} في أمر الدين. وقيل: في أمر النسائك، وقرئ: فلا ينزعنك، أى اثبت في دينك ثباتا لا يطمعون أن يجذبوك ليزيلوك عنه. والمراد: زيادة التثبيت للنبي ÷ بما يهيج حميته ويلهب غضبه لله ولدينه. ومنه قوله {وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ}، {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، {فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ}. وهيهات أن ترتع همة رسول الله ÷ حول ذلك الحمى، ولكنه وارد على ما قلت لك من إرادة التهييج والإلهاب. وقال الزجاج: هو من نازعته فنزعته أنزعه، أى: غلبته، أى: لا يغلبنك في المنازعة. فإن قلت: لم جاءت نظيرة هذه الآية معطوفة بالواو وقد نزعت عن هذه؟ قلت: لأنّ تلك وقعت مع ما يدانيها ويناسبها من الاى الواردة في أمر النسائك، فعطفت على أخواتها. وأما هذه فواقعة مع أباعد عن معناها فلم تجد معطفا.
  {وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ ٦٨}
  أى: وإن أبوا للجاجهم إلا المجادلة بعد اجتهادك أن لا يكون بينك وبينهم تنازع، فادفعهم بأن الله أعلم بأعمالكم وبقبحها وبما تستحقون عليها من الجزاء فهو مجازيكم به. وهذا وعيد وإنذار، ولكن برفق ولين.
  {اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ٦٩ أَلَمْ تَعْلَمْ