الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الحج

صفحة 173 - الجزء 3

  {وَجاهِدُوا} أمر بالغزو وبمجاهدة النفس والهوى وهو الجهاد الأكبر. عن النبي ÷ أنه رجع من بعض غزواته فقال «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» {فِي اللهِ} أى في ذات الله ومن أجله. يقال: هو حق عالم، وجدّ عالم، أى: عالم حقا وجدا. ومنه {حَقَّ جِهادِهِ}. فإن قلت: ما وجه هذه الإضافة، وكان القياس: حق الجهاد فيه. أو حق جهادكم فيه، كما قال {وَجاهِدُوا فِي اللهِ}؟ قلت: الإضافة تكون بأدنى ملابسة واختصاص، فلما كان الجهاد مختصا بالله من حيث أنه مفعول لوجهه ومن أجله، صحت إضافته إليه. ويجوز أن يتسع في الظرف كقوله:

  ويوما شهدناه سليما وعامرا

  {اجْتَباكُمْ} اختاركم لدينه ولنصرته {وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} فتح باب التوبة للمجرمين، وفسح بأنواع الرخص والكفارات والديات والأروش. ونحوه قوله تعالى {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وأمّة محمد ÷ هي الأمة المرحومة الموسومة بذلك في الكتب المتقدمة.

  نصب الملة بمضمون ما تقدّمها. كأنه قيل: وسع دينكم توسعة ملة أبيكم، ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. أو على الاختصاص، أى: أعنى بالدين ملة أبيكم كقولك: الحمد لله الحميد. فإن قلت: لم يكن {إِبْراهِيمَ} أبا للأمّة كلها. قلت: هو أبو رسول الله ÷، فكان أبا لأمته، لأنّ أمة الرسول في حكم أولاده {هُوَ} يرجع إلى الله تعالى: وقيل: إلى إبراهيم. ويشهد للقول الأوّل قراءة أبىّ بن كعب: الله سماكم {مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا} أى من قبل القرآن في سائر الكتب وفي القرآن، أى: فضلكم على الأمم وسماكم بهذا الاسم الأكرم {لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ} أنه قد بلغكم {وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ} بأنّ الرسل قد بلغتهم. وإذ خصكم بهذه الكرامة والأثرة، فاعبدوه وثقوا به ولا تطلبوا النصرة والولاية إلا منه، فهو خير مولى وناصر.

  عن رسول الله ÷: «من قرأ سورة الحج أعطى من الأجر كحجة حجها وعمرة اعتمرها بعدد من حج واعتمر فيما مضى وفيما بقي».