الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة المؤمنون

صفحة 175 - الجزء 3

  الخشوع في الصلاة: خشية القلب وإلباد البصر - عن قتادة: وهو إلزامه موضع السجود. وعن النبي ÷: أنه كان يصلى رافعا بصره إلى السماء، فلما نزلت هذه الآية رمى ببصره نحو مسجده، وكان الرجل من العلماء إذا قام إلى الصلاة هاب الرحمن أن يشدّ بصره إلى شيء، أو يحدّث نفسه بشأن من شأن الدنيا. وقيل: هو جمع الهمة لها، والإعراض عما سواها. ومن الخشوع: أن يستعمل الآداب، فيتوقى كفّ الثوب، والعبث بجسده وثيابه، والالتفات، والتمطي، والتثاؤب، والتغميض، وتغطية الفم، والسدل، والفرقعة، والتشبيك، والاختصار، وتقليب الحصا. روى عن النبي ÷ أنه أبصر رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال «لو خشع قلبه خشعت جوارحه» ونظر الحسن إلى رجل يعبث بالحصا وهو يقول: اللهمّ زوجني الحور العين، فقال: بئس الخاطب أنت! تخطب وأنت تعبث. فإن قلت: لم أضيفت الصلاة إليهم؟ قلت: لأنّ الصلاة دائرة بين المصلى والمصلى له، فالمصلى هو المنتفع بها وحده وهي عدّته وذخيرته فهي صلاته: وأمّا المصلى له، فغنىّ متعال عن الحاجة إليها والانتفاع بها.

  {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ٣}

  اللغو: ما لا يعنيك من قول أو فعل، كاللعب والهزل وما توجب المروءة إلغاءه وإطراحه، يعنى أنّ بهم من الجدّ ما يشغلهم عن الهزل.

  لما وصفهم بالخشوع في الصلاة، أتبعه الوصف بالإعراض عن اللغو، ليجمع لهم الفعل والترك الشاقين على الأنفس اللذين هما قاعدتا بناء التكليف.