الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة المؤمنون

صفحة 201 - الجزء 3

  ما والنون: مؤكدتان، أى: إن كان لا بد من أن تريني ما تعدهم من العذاب في الدنيا أو في الآخرة {فَلا تَجْعَلْنِي} قرينا لهم ولا تعذبني بعذابهم. عن الحسن: أخبره الله أن له في أمته نقمة ولم يخبره أفى حياته أم بعد موته، فأمره أن يدعو بهذا الدعاء. فإن قلت: كيف يجوز أن يجعل الله نبيه المعصوم مع الظالمين، حتى يطلب أن لا يجعله معهم؟ قلت: يجوز أن يسأل العبد ربه ما علم أنه يفعله، وأن يستعيذ به مما علم أنه لا يفعله، إظهارا للعبودية وتواضعا لربه، وإخباتا له. واستغفاره ÷ إذا قام من مجلسه سبعين مرة أو مائة مرة لذلك، وما أحسن قول الحسن في قول أبى بكر الصديق ® «وليتكم ولست بخيركم: كان يعلم أنه خيرهم، ولكن المؤمن يهضم نفسه. وقرئ: إما ترئنهم، بالهمز مكان تريني، كما قرئ: فإما ترئن، ولترؤن الجحيم. وهي ضعيفة. وقوله {رَبِ} مرتين قبل الشرط وقبل الجزاء، حث على فضل تضرع وجؤار. كانوا ينكرون الموعد بالعذاب ويضحكون منه واستعجالهم له لذلك، فقيل لهم: إن الله قادر على إنجاز ما وعد إن تأملتم، فما وجه هذا الإنكار؟

  {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ ٩٦}

  هو أبلغ من أن يقال: بالحسنة السيئة، لما فيه من التفضيل، كأنه قال: ادفع بالحسنى السيئة. والمعنى: الصفح عن إساءتهم ومقابلتها بما أمكن من الإحسان، حتى إذا اجتمع الصفح والإحسان وبذل الاستطاعة فيه: كانت حسنة مضاعفة بإزاء سيئة. وهذه قضية قوله {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وعن ابن عباس ®: هي شهادة أن لا إله إلا الله. والسيئة: الشرك.