سورة النور
  بالوسمة في حاجبيه وشاربيه، والغمرة في خديه، والكف والقدم موقعا الخاتم والفتخة والخضاب بالحناء. فإن قلت: لم سومح مطلقا في الزينة الظاهرة؟ قلت: لأن سترها فيه حرج، فإن المرأة لا تجد بدّا من مزاولة الأشياء بيديها، ومن الحاجة إلى كشف وجهها، خصوصا في الشهادة والمحاكمة والنكاح، وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها، وخاصة الفقيرات منهنّ، وهذا معنى قوله {إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها} يعنى إلا ما جرت العادة والجبلة على ظهوره والأصل فيه الظهور، وإنما سومح في الزينة الخفية. أولئك المذكورون لما كانوا مختصين به من الحاجة المضطرة إلى مداخلتهم ومخالطتهم، ولقلة توقع الفتنة من جهاتهم، ولما في الطباع من النفرة عن مماسة القرائب، وتحتاج المرأة إلى صحبتهم في الأسفار للنزول والركوب وغير ذلك. كانت جيوبهن واسعة تبدو منها نحورهن وصدورهن وما حواليها، وكنّ يسدلن الخمر من ورائهنّ فتبقى مكشوفة، فأمرن بأن يسدلنها من قدامهنّ حتى يغطينها، ويجوز أن يراد بالجيوب: الصدور تسمية بما يليها ويلابسها. ومنه قولهم: ناصح الجيب. وقولك: ضربت بخمارها على جيبها، كقولك: ضربت بيدي على الحائط، إذا وضعتها عليه. وعن عائشة ^: ما رأيت نساء خيرا من نساء الأنصار، لما نزلت هذه الآية قامت كل واحدة منهن إلى مرطها المرحل فصدعت منه صدعة، فاختمرن، فأصبحن كأن على رءوسهن الغربان. وقرئ: جيوبهن، بكسر الجيم لأجل الياء. وكذلك {بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} قيل في نسائهن: هنّ المؤمنات، لأنه ليس للمؤمنة أن تتجرد بين يدي مشركة أو كتابية. عن ابن عباس ®. والظاهر أنه عنى بنسائهن وما ملكت أيمانهن: من في صحبتهن وخدمتهنّ من الحرائر والإماء والنساء، كلهنّ سواء في حلّ نظر بعضهن إلى بعض. وقيل: ما ملكت أيمانهنّ هم الذكور والإناث جميعا. وعن عائشة ^ أنها أباحت النظر إليها لعبدها، وقالت لذكوان: إنك إذا وضعتني في القبر وخرجت