سورة النور
  وأضاف النور إلى السماوات والأرض لأحد معنيين: إما للدلالة على سعة إشراقه وفشوّ إضاءته حتى تضيء له السماوات والأرض. وإما أن يراد أهل السماوات والأرض وأنهم يستضيئون به {مَثَلُ نُورِهِ} أى صفة نوره العجيبة الشأن في الإضاءة {كَمِشْكاةٍ} كصفة مشكاة وهي الكوّة في الجدار غير النافذة {فِيها مِصْباحٌ} سراج ضخم ثاقب {فِي زُجاجَةٍ} أراد قنديلا من زجاج شامي أزهر. شبهه في زهرته بأحد الدراري من الكواكب وهي المشاهير، كالمشترى والزهرة والمرّيخ وسهيل ونحوها {يُوقَدُ} هذا المصباح {مِنْ شَجَرَةٍ} أى ابتدأ ثقوبه من شجرة الزيتون، يعنى: زويت ذبالته بزيتها {مُبارَكَةٍ} كثيرة المنافع. أو: لأنها تنبت في الأرض التي بارك فيها للعالمين. وقيل: بارك فيها سبعون نبيا، منهم إبراهيم #. وعن النبي ÷: «عليكم بهذه الشجرة زيت الزيتون فتداووا به، فإنه مصحة من الباسور» {لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} أى منبتها الشام. وأجود الزيتون: زيتون الشام. وقيل: لا في مضحى ولا مقنأة، ولكن الشمس والظل يتعاقبان عليها، وذلك أجود لحملها وأصفى لدهنها. قال رسول الله ÷: «لا خير في شجرة في مقنأة، ولا نبات في مقنأة، ولا خير فيهما في مضحى» وقيل: ليست مما تطلع عليه الشمس في وقت شروقها أو غروبها فقط، بل تصيبها بالغداة والعشى جميعا، فهي شرقية وغربية، ثم وصف الزيت بالصفاء والوبيص، وأنه لتلألئه {يَكادُ} يضيء من غير نار {نُورٌ عَلى نُورٍ} أى هذا الذي شبهت به الحق نور متضاعف قد تناصر فيه المشكاة والزجاجة والمصباح والزيت، حتى لم تبق مما يقوى النور ويزيده إشراقا ويمدّه بإضاءة: بقية، وذلك أن المصباح إذا كان في مكان متضايق كالمشكاة كان أضوأ له وأجمع لنوره، بخلاف المكان الواسع فإنّ الضوء ينبث فيه وينتشر، والقنديل أعون شيء على زيادة الإنارة، وكذلك الزيت وصفاؤه {يَهْدِي اللهُ} لهذا النور الثاقب {مَنْ يَشاءُ} من عباده، أى: يوفق لإصابة الحق من نظر وتدبر بعين عقله