الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الفرقان

صفحة 271 - الجزء 3

  هذه المفاجأة بالاحتجاج والإلزام حسنة رائعة وخاصة إذا انضم إليها الالتفات وحذف القول ونحوها قوله تعالى {يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} وقول القائل:

  قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا ... ثمّ القفول فقد جئنا خراسانا

  وقرئ: يقولون، بالتاء والياء. فمعنى من قرأ بالتاء فقد كذبوكم بقولكم أنهم آلهة. ومعنى من قرأ بالياء: فقد كذبوكم بقولهم {سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ}: فإن قلت: هل يختلف حكم الباء مع التاء والياء؟ قلت إي والله، هي مع التاء كقوله {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِ} والجار والمجرور بدل من الضمير، كأنه قيل: فقد كذبوا بما تقولون: وهي مع الياء كقولك: كتبت بالقلم. وقرئ: يستطيعون، بالتاء والياء أيضا. يعنى. فما تستطيعون أنتم يا كفار صرف العذاب عنكم. وقيل: الصرف: التوبة وقيل: الحيلة، من قولهم: إنه ليتصرف، أى. يحتال أو فما يستطيع آلهتكم أن يصرفوا عنكم العذاب. أو أن يحتالوا لكم. الخطاب على العموم للمكلفين. والعذاب الكبير لا حق بكل من ظلم، والكافر ظالم، لقوله {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} والفاسق ظالم. لقوله {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. وقرئ: يذقه، بالياء. وفيه ضمير الله. أو ضمير مصدر يظلم.

  {وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً ٢٠}

  الجملة بعد «إلا» صفة لموصوف محذوف. والمعنى: وما أرسلنا قبلك أحدا من المرسلين إلا آكلين وماشين. وإنما حذف اكتفاء بالجار والمجرور. أعنى من المرسلين ونحوه قوله عز من قائل: {وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ} على معنى: وما منا أحد. وقرئ: ويمشون، على البناء للمفعول، أى: تمشيهم حوائجهم أو الناس. ولو قرئ: يمشون، لكان أوجه لولا الرواية. وقيل: هو احتجاج على من قال {ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي