سورة الفرقان
  في قلوبهم واعتقدوه. كما قال {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ}. {وَعَتَوْا} وتجاوزوا الحدّ في الظلم. يقال: عتا علينا فلان. وقد وصف العتوّ بالكبير، فبالغ في إفراطه يعنى أنهم لم يخسروا على هذا القول العظيم، إلا لأنهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العنوّ، واللام جواب قسم محذوف. وهذه الجملة في حسن استئنافها غاية. وفي أسلوبها قول القائل:
  وجارة جسّاس أبأنا بنابها ... كليبا غلت ناب كليب بواؤها
  وفي فحوى هذا الفعل دليل على التعجب من غير لفظ التعجب. ألا ترى أن المعنى: ما أشدّ استكبارهم، وما أكبر عتوّهم، وما أغلى نابا بواؤها كليب.
  {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً ٢٢}
  {يَوْمَ يَرَوْنَ} منصوب بأحد شيئين: إما بما دل عليه {لا بُشْرى} أى: يوم يرون الملائكة يمنعون البشرى أو يعدمونها. ويومئذ للتكرير. وإما بإضمار «اذكر» أى: اذكر يوم يرون الملائكة ثم قال {لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ}. وقوله «للمجرمين» إما ظاهر في موضع ضمير، وإما لأنه عام، فقد تناولهم بعمومه {حِجْراً مَحْجُوراً} ذكره سيبويه في باب المصادر غير المتصرفة المنصوبة بأفعال متروك إظهارها نحو: معاذ الله، وقعدك الله، وعمرك الله. وهذه كلمة كانوا يتكلمون بها عند لقاء عدوّ موتور أو هجوم نازلة، أو نحو ذلك: يضعونها موضع الاستعاذة. قال سيبويه: ويقول الرجل للرجل: أتفعل كذا وكذا،