الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الفرقان

صفحة 296 - الجزء 3

  {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً ٧٤}

  قرئ: ذريتنا، وذرياتنا. وقرة أعين، وقرّات أعين. سألوا ربهم أن يرزقهم أزواجا وأعقابا عمالا لله، يسرون بمكانهم وتقرّبهم عيونهم. وعن محمد بن كعب: ليس شيء أقرّ لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده مطيعين لله. وعن ابن عباس ®: هو الولد إذا رآه يكتب الفقه. وقيل: سألوا أن يلحق الله بهم أزواجهم وذريتهم في الجنة ليتم لهم سرورهم. أراد. أئمة، فاكتفى بالواحد لدلالته على الجنس ولعدم اللبس، كقوله تعالى {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً} أو أرادوا اجعل كل واحد منا إماما. أو أراد جمع آمّ، كصائم وصيام. أو أرادوا اجعلنا إماما واحدا لا تحادنا واتفاق كلتنا. وعن بعضهم: في الآية ما يدل على أن الرياسة في الدين يجب أن تطلب ويرغب فيها. وقيل: نزلت هذه الآيات في العشرة المبشرين بالجنة. فإن قلت: {مِنْ} في قوله {مِنْ أَزْواجِنا} ما هي؟ قلت: يحتمل أن تكون بيانية، كأنه قيل: هب لنا قرّة أعين، ثم بينت القرّة وفسرت بقوله: من أزواجنا وذرياتنا. ومعناه: أن يجعلهم الله لهم قرّة أعين، وهو من قولهم: رأيت منك أسدا، أى: أنت أسد، وأن تكون ابتدائية على معنى: هب لنا من جهتهم ما تقرّ به عيوننا من طاعة وصلاح. فإن قلت: لم قال {قُرَّةَ أَعْيُنٍ} فنكر وقلل؟ قلت: أما التنكير فلأجل تنكير القرّة، لأن المضاف لا سبيل إلى تنكيره إلا بتنكير المضاف إليه، كأنه قيل: هب لنا منهم سرورا وفرحا. وإنما قيل {أَعْيُنٍ} دون عيون، لأنه أراد أعين المتقين، وهي قليلة بالإضافة إلى عيون غيرهم. قال الله تعالى {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ} ويجوز أن يقال في تنكير {أَعْيُنٍ} أنها أعين خاصة، وهي أعين المتقين.

  {أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً ٧٥ خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً ٧٦}

  المراد يجزون الغرفات وهي العلالي في الجنة، فوحد اقتصارا على الواحد الدال على الجنس،