الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الشعراء

صفحة 343 - الجزء 3

  فإذا أدخلت حرف الجرّ على «من» فقدّر الهمزة قبل حرف الجرّ في ضميرك، كأنك تقول: أعلى من تنزّل الشياطين، كقولك: أعلى زيد مررت. فإن قلت: {يُلْقُونَ} ما محله؟ قلت: يجوز أن يكون في محل النصب على الحال، أى: تنزل ملقين السمع، وفي محل الجرّ صفة لكل أفاك، لأنه في معنى الجمع، وأن لا يكون له محل بأن يستأنف، كأن قائلا قال: لم تنزل على الأفاكين؟ فقيل: يفعلون كيت وكيت. فإن قلت: كيف قيل {وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ} بعد ما قضى عليهم أن كل واحد منهم أفاك؟ قلت: الأفاكون هم الذين يكثرون الإفك، ولا يدل ذلك على أنهم لا ينطقون إلا بالإفك، فأراد أن هؤلاء الأفاكين قلّ من يصدق منهم فيما يحكى عن الجنى، وأكثرهم مفتر عليه. فإن قلت: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ}، {وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ}، {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ} لم فرق بينهنّ وهنّ أخوات؟ قلت: أريد التفريق بينهنّ بآيات ليست في معناهنّ، ليرجع إلى المجيء بهنّ وتطرية ذكر ما فيهنّ كرّة بعد كرّة: فيدل بذلك على أن المعنى الذي نزلن فيه من المعاني التي اشتدت كراهة الله لخلافها. ومثاله: أن يحدّث الرجل بحديث وفي صدره اهتمام بشيء منه وفضل عناية، فتراه يعيد ذكره ولا ينفك عن الرجوع إليه.

  {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ ٢٢٥ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ ٢٢٦}

  {وَالشُّعَراءُ} مبتدأ. و {يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ} خبره: ومعناه: أنه لا يتبعهم على باطلهم وكذبهم وفضول قولهم وما هم عليه من الهجاء وتمزيق الأعراض والقدح في الأنساب، والنسيب بالحرم والغزل والابتهار، ومدح من لا يستحق المدح، ولا يستحسن ذلك منهم ولا يطرب على قولهم - إلا الغاوون والسفهاء والشطار. وقيل: الغاوون: الراوون. وقيل: الشياطين،