سورة النمل
  كتاب مبين. وقرأ ابن أبى عبلة: وكتاب مبين بالرفع على تقدير: وآيات كتاب مبين، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين قوله: الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين؟ قلت: لا فرق بينهما إلا ما بين المعطوف والمعطوف عليه من التقدّم والتأخر، وذلك على ضربين: ضرب جار مجرى التثنية لا يترجح فيه جانب على جانب، وضرب فيه ترجح، فالأول نحو قوله تعالى {وَقُولُوا حِطَّةٌ}، {وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً} ومنه ما نحن بصدده. والثاني: نحو قوله تعالى {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ}، {هُدىً وَبُشْرى} في محل النصب أو الرفع، فالنصب على الحال، أى: هادية ومبشرة، والعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة، والرفع على ثلاثة أوجه، على: هي هدى وبشرى، وعلى البدل من الآيات، وعلى أن يكون خبرا بعد خبر، أى: جمعت أنها آيات، وأنها هدى وبشرى. والمعنى في كونها هدى للمؤمنين: أنها زائدة في هداهم. قال الله تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً}. فإن قلت {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} كيف يتصل بما قبله؟ قلت: يحتمل أن يكون من جملة صلة الموصول، ويحتمل أن تتم الصلة عنده ويكون جملة اعتراضية، كأنه قيل: وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة: هم الموقنون بالآخرة، وهو الوجه. ويدل عليه أنه عقد جملة ابتدائية وكرّر فيها المبتدأ الذي هو {هُمْ} حتى صار معناها: وما يوقن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح، لأنّ خوف العاقبة يحملهم على تحمل المشاق.