الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة السجدة

صفحة 507 - الجزء 3

  للبشر، ومثله أبعد شيء من الريب. وأما قولهم {افْتَراهُ} فإما قول متعنت مع علمه أنه من الله لظهور الإعجاز له، أو جاهل يقوله قبل التأمل والنظر لأنه سمع الناس يقولونه {ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} كقوله: ما أنذر آباؤهم، وذلك أن قريشا لم يبعث الله إليهم رسولا قبل محمد ÷. فإن قلت: فإذا لم يأتهم نذير لم تقم عليهم حجة. قلت: أما قيام الحجة بالشرائع التي لا يدرك علمها إلا بالرسل فلا، وأما قيامها بمعرفة الله وتوحيده وحكمته فنعم، لأن أدلة العقل الموصلة إلى ذلك معهم في كل زمان {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} فيه وجهان: أن يكون على الترجي من رسول الله ÷ كما كان {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} على الترجي من موسى وهرون @، وأن يستعار لفظ الترجي للإرادة.

  {اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ ٤}

  فإن قلت: ما معنى قوله {ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ}؟ قلت: هو على معنيين، أحدهما: أنكم إذا جاوزتم رضاه لم تجدوا لأنفسكم وليا، أى: ناصرا ينصركم ولا شفيعا يشفع لكم. والثاني: أن الله وليكم الذي يتولى مصالحكم، وشفيعكم أى ناصركم على سبيل المجاز، لأن الشفيع ينصر المشفوع له، فهو كقوله تعالى {وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} فإذا خذلكم لم يبق لكم ولىّ ولا نصير.

  {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ٥}

  {الْأَمْرَ} المأمور به من الطاعات والأعمال الصالحة ينزله مدبرا {مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ} ثم لا يعمل به ولا يصعد إليه ذلك المأمور به خالصا كما يريده ويرتضيه إلا في مدة متطاولة، لقلة عمال الله والخلص من عباده وقلة الأعمال الصاعدة، لأنه لا يوصف بالصعود إلا الخالص