الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة السجدة

صفحة 514 - الجزء 3

  {فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً} وسميت إرادة الرجوع رجوعا، كما سميت إرادة القيام قياما في قوله تعالى {إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} ويدل عليه قراءة من قرأ: يرجعون، على البناء للمفعول. فإن قلت: من أين صح تفسير الرجوع بالتوبة؟ و «لعل» من الله إرادة، وإذا أراد الله شيئا كان ولم يمتنع، وتوبتهم مما لا يكون، ألا ترى أنها لو كانت مما يكون لم يكونوا ذائقين العذاب الأكبر؟ قلت: إرادة الله تتعلق بأفعاله وأفعال عباده، فإذا أراد شيئا من أفعاله كان ولم يمتنع، للاقتدار وخلوص الداعي. وأما أفعال عباده: فإما أن يريدها وهم مختارون لها، أو مضطرون إليها بقسره وإلجائه، فإن أرادها وقد قسرهم عليها فحكمها حكم أفعاله، وإن أرادها على أن يختاروها وهو عالم أنهم لا يختارونها لم يقدح ذلك في اقتداره، كما لا يقدح في اقتدارك إرادتك أن يختار عبدك طاعتك وهو لا يختارها، لأنّ اختياره لا يتعلق بقدرتك، وإذا لم يتعلق بقدرتك لم يكن فقده دالا على عجزك. وروى في نزولها: أنه شجر بين على بن أبى طالب ¥ والوليد بن عقبة بن أبى معيط يوم بدر كلام، فقال له الوليد: اسكت فإنك صبىّ: أنا أشبّ منك شبابا، وأجلد منك جلدا، وأذرب منك لسانا، وأحدّ منك سنانا، وأشجع منك جنانا، وأملأ منك حشوا في الكتيبة. فقال له على رضى الله عنه: اسكت، فإنك فاسق، فنزلت عامّة للمؤمنين والفاسقين، فتناولتهما وكل من كان في مثل حالهما. وعن الحسن بن على ®: