الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الأحزاب

صفحة 560 - الجزء 3

  وقيل: الملحفة وكل ما يستتر به من كساء أو غيره. قال أبو زبيد:

  مجلبب من سواد اللّيل جلبابا

  ومعنى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ} يرخينها عليهنّ، ويغطين بها وجوههنّ وأعطافهنّ. يقال: إذا زل الثوب عن وجه المرأة: أدنى ثوبك على وجهك، وذلك أن النساء كنّ في أول الإسلام على هجيراهنّ في الجاهلية متبذلات، تبرز المرأة في درع وخمار فصل بين الحرّة والأمة، وكان الفتيان وأهل الشطارة يتعرّضون إذا خرجن بالليل إلى مقاضى حوائجهنّ في النخيل والغيطان للإماء، وربما تعرّضوا للحرّه بعلة الأمة، يقولون: حسبناها أمة، فأمرن أن يخالفن بزيهنّ عن زى الإماء بلبس الأردية والملاحف وستر الرؤوس والوجوه، ليحتشمن ويهين فلا يطمع فيهن طامع، وذلك قوله {ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ} أى أولى وأجدر بأن يعرفن فلا يتعرّض لهن ولا يلقين ما يكرهن. فإن قلت: ما معنى {مِنْ} في {مِنْ جَلَابِيبِهِنَ}؟ قلت: هو للتبعيض، إلا أن معنى التبعيض محتمل وجهين، أحدهما: أن يتجلببن ببعض مالهنّ من الجلابيب، والمراد أن لا تكون الحرة متبذلة في درع وخمار، كالأمة والماهنة ولها جلبابان فصاعدا في بيتها. والثاني: أن ترخى المرأة بعض جلبابها وفضله على وجهها تتقنع حتى تتميز من الأمة. وعن ابن سيرين: سألت عبيدة السلماني عن ذلك فقال: أن تضع رداءها فوق الحاجب ثم تديره حتى تضعه على أنفها. وعن السدى: أن تغطى إحدى عينيها وجبهتها، والشق الآخر إلا العين. وعن الكسائي: يتقنعن بملاحفهن منضمة عليهنّ، أراد بالانضمام معنى الإدناء {وَكانَ اللهُ غَفُوراً} لما سلف منهن من التفريط مع التوبة، لأن هذا مما يمكن معرفته بالعقل.

  {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً ٦٠ مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا