الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة سبإ

صفحة 591 - الجزء 3

  من أجر فهو لكم، كقوله تعالى {ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} وفيه معنيان، أحدهما: نفى مسألة الأجر رأسا، كما يقول الرجل لصاحبه: إن أعطيتنى شيئا فخذه، وهو يعلم أنه لم يعطه شيئا ولكنه يريد به البت، لتعليقه الأخذ بما لم يكن. والثاني: أن يريد بالأجر ما أراد في قوله تعالى {قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً} وفي قوله {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى} لأنّ اتخاذ السبيل إلى الله نصيبهم وما فيه نفعهم، وكذلك المودّة في القرابة، لأنّ القرابة قد انتظمته وإياهم {عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} حفيظ مهيمن، يعلم أنى لا أطلب الأجر على نصيحتكم ودعائكم إليه إلا منه، ولا أطمع منكم في شيء.

  {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ٤٨}

  القذف والرمي: تزجية السهم ونحوه بدفع واعتماد، ويستعاران من حقيقتهما لمعنى الإلقاء ومنه قوله تعالى {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ}، {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ} ومعنى {يَقْذِفُ بِالْحَقِ} يلقيه وينزله إلى أنبيائه. أو يرمى به الباطل فيدمغه ويزهقه {عَلَّامُ الْغُيُوبِ} رفع محمول على محل إن واسمها، أو على المستكن في يقذف، أو هو خبر مبتدإ محذوف. وقرئ بالنصب صفة لربي، أو على المدح. وقرئ: الغيوب بالحركات الثلاث، فالغيوب كالبيوت. والغيوب كالصبور وهو الأمر الذي غاب وخفى جدا.

  {قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ ٤٩}

  والحىّ إمّا أن يبدئ فعلا أو يعيده فإذا هلك لم يبق له إبداء ولا إعادة، فجعلوا قولهم: لا يبدئ ولا يعيد مثلا في الهلاك. ومنه قول عبيد:

  أقفر من أهله عبيد ... فاليوم لا يبدي ولا يعيد

  والمعنى: جاء الحق وهلك الباطل، كقوله تعالى: {جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ} وعن ابن مسعود