الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الصافات

صفحة 36 - الجزء 4

  مقذوفون بالشهب مدحورون عن ذلك، إلا من أمهل حتى خطف خطفة واسترق استراقة، فعندها تعاجله الهلكة بإتباع الشهاب الثاقب. فإن قلت: هل يصح قول من زعم أن أصل: لئلا يسمعوا فحذفت اللام كما حذفت في قولك: جئتك أن تكرمني، فبقى أن لا يسمعوا فحذفت أن وأهدر عملها، كما في قول القائل:

  ألا أيها ذا الزّاجرى أحضر الوغى

  قلت: كل واحد من هذين الحذفين غير مردود على انفراده، فأما اجتماعهما فمنكر من المنكرات، على أن صون القرآن عن مثل هذا التعسف واجب. فإن قلت: أى فرق بين سمعت فلانا يتحدّث، وسمعت إليه يتحدّث، وسمعت حديثه، وإلى حديثه؟ قلت: المعدّى بنفسه يفيد الإدراك، والمعدى بإلى يفيد الإصغاء مع الإدراك، والملأ الأعلى: الملائكة، لأنهم يسكنون السماوات. والإنس والجن: هم الملأ الأسفل، لأنهم سكان الأرض. وعن ابن عباس ®: هم الكتبة من الملائكة. وعنه: أشراف الملائكة {مِنْ كُلِّ جانِبٍ} من جميع جوانب السماء من أى جهة صعدوا للاستراق {دُحُوراً} مفعول له، أى: ويقذفون للدحور وهو الطرد، أو مدحورين على الحال. أو لأنّ القذف والطرد متقاربان في المعنى، فكأنه قيل: يدحرون أو قذفا. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمى بفتح الدال على: قذفا دحورا طرودا. أو على أنه قد جاء مجيء القبول والولوع. والواصب: الدائم، وصب الأمر وصوبا، يعنى أنهم في الدنيا مرجومون بالشهب، وقد أعدّ لهم في الآخرة نوع من العذاب دائم غير منقطع {مَنْ} في محل الرفع بدل من الواو في لا يسمعون، أى: لا يسمع الشياطين إلا الشيطان الذي {خَطِفَ الْخَطْفَةَ} وقرئ: خطف بكسر الخاء والطاء وتشديدها، وخطف بفتح الخاء وكسر الطاء وتشديدها، وأصلهما: اختطف. وقرئ: فأتبعه، وفاتبعه.

  {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ ١١}

  الهمزة وإن خرجت إلى معنى التقرير فهي بمعنى الاستفهام في أصلها، فلذلك قيل