الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة ص

صفحة 87 - الجزء 4

  آخذها منه وأكمل نعاجى مائة، فقال داود: إن رمت ذلك ضربنا منك هذا وهذا، وأشار إلى طرف الأنف والجبهة، فقال: يا داود أنت أحق أن يضرب منك هذا وهذا، وأنت فعلت كيت وكيت، ثم نظر داود فلم ير أحدا، فعرف ما وقع فيه و {الْخُلَطاءِ} الشركاء الذين خلطوا أموالهم، الواحد: خليط، وهي الخلطة، وقد غلبت في الماشية، والشافعي | يعتبرها، فإذا كان الرجلان خليطين في ماشية بينهما غير مقسومة، أو لكل واحد منهما ماشية على حدة إلا أنّ مراحهما ومساقهما وموضع حلبهما والراعي والكلب واحد والفحولة مختلطة: فهما يزكيان زكاة الواحد؛ فإن كان لهما أربعون شاة فعليهما شاة. وإن كانوا ثلاثة ولهم مائة وعشرون لكل واحد وأربعون، فعليهم واحدة كما لو كانت لواحد. وعند أبى حنيفة: لا تعتبر الخلطة، والخليط والمنفرد عنده واحد، ففي أربعين بين خليطين: لا شيء عنده، وفي مائة وعشرين بين ثلاثة: ثلاث شياه. فإن قلت: فهذه الخلطة ما تقول فيها؟ قلت: عليهما شاة واحدة، فيجب على ذى النعجة أداء جزء من مائة جزء من الشاة عند الشافعي |، وعند أبى حنيفة لا شيء عليه، فإن قلت: ما ذا أراد بذكر حال الخلطاء في ذلك المقام؟ قلت: قصد به الموعظة الحسنة والترغيب في إيثار عادة الخلطاء الصلحاء الذين حكم لهم بالقلة، وأن يكرّه إليهم الظلم والاعتداء الذي عليه أكثرهم، مع التأسف على حالهم، وأن يسلى المظلوم عما جرى عليه من خليطه، وأنّ له في أكثر الخلطاء أسوة. وقرئ: ليبغى بفتح الياء على تقدير النون الخفيفة، وحذفها كقوله:

  اضرب عنك الهموم طارقها

  وهو جواب قسم محذوف. وليبغ: بحذف الياء، اكتفاء منها بالكسرة، و {ما} في {وَقَلِيلٌ ما هُمْ} للإبهام. وفيه تعجب من قلتهم. وإن أردت أن تتحقق فائدتها وموقعها فاطرحها، من قول امرئ القيس:

  وحديث ما على قصره