الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة ص

صفحة 89 - الجزء 4

  {يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ ٢٦}

  {خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} أى استخلفناك على الملك في الأرض، كمن يستخلفه بعض السلاطين على بعض البلاد ويملكه عليها. ومنه قولهم: خلفاء الله في أرضه. وجعلناك خليفة ممن كان قبلك من الأنبياء القائمين بالحق. وفيه دليل على أنّ حاله بعد التوبة بقيت على ما كانت عليه لم تتغير {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ} أى بحكم الله تعالى إذ كنت خليفته {وَلا تَتَّبِعِ} هوى النفس في قضائك وغيره مما تتصرف فيه من أسباب الدين والدنيا {فَيُضِلَّكَ} الهوى فيكون سببا لضلالك {عَنْ سَبِيلِ اللهِ} عن دلائله التي نصبها في العقول، وعن شرائعه التي شرعها وأوحى بها. و {يَوْمَ الْحِسابِ} متعلق بنسوا، أى: بنسيانهم يوم الحساب، أو بقوله لهم، أى: لهم عذاب يوم القيامة بسبب نسيانهم وهو ضلالهم عن سبيل الله. وعن بعض خلفاء بنى مروان أنه قال لعمر بن عبد العزيز أو للزهري: هل سمعت ما بلغنا؟ قال: وما هو؟ قال: بلغنا أن الخليفة لا يجرى عليه القلم ولا تكتب عليه معصية. فقال: يا أمير المؤمنين، الخلفاء أفضل أم الأنبياء؟ ثم تلا هذه الآية.

  {وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ٢٧}

  {باطِلاً} خلقا باطلا، لا لغرض صحيح وحكمة بالغة. أو مبطلين عابثين، كقوله تعالى {وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِ} وتقديره: ذوى باطل. أو عبثا، فوضع باطلا موضعه، كما وضعوا هنيئا موضع المدر، وهو صفة، أى ما خلقناهما وما بينهما للعبث واللعب، ولكن للحق المبين، وهو أن خلقناها نفوسا أودعناها العقل