الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة المؤمن

صفحة 159 - الجزء 4

  {يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ ١٩}

  الخائنة: صفة للنظرة. أو مصدر بمعنى الخيانة، كالعافية بمعنى المعافاة، والمراد: استراق النظر إلى ما لا يحل، كما يفعل أهل الريب، ولا يحسن أن يراد الخائنة من الأعين، لأن قوله {وَما تُخْفِي الصُّدُورُ} لا يساعد عليه. فإن قلت: بم اتصل قوله {يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ}؟ قلت: هو خبر من أخبار هو في قوله {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ} مثل {يُلْقِي الرُّوحَ} ولكن {يُلْقِي الرُّوحَ} قد علل بقوله {لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ} ثم استطرد ذكر أحوال يوم التلاق إلى قوله {وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ} فبعد لذلك عن أخواته.

  {وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ٢٠}

  {وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ} يعنى: والذي هذه صفاته وأحواله لا يقضى إلا بالحق والعدل. لاستغنائه عن الظلم. وآلهتكم لا يقضون بشيء، وهذا تهكم بهم، لأن ما لا يوصف بالقدرة لا يقال فيه: يقضى، أو لا يقضى {إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} تقرير لقوله {يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ} ووعيد لهم بأنه يسمع ما يقولون ويبصر ما يعملون، وأنه يعاقبهم عليه وتعريض بما يدعون من دون الله، وأنها لا تسمع ولا تبصر. وقرئ: يدعون، بالتاء والياء.

  {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ ٢١ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ ٢٢}

  {هُمْ} في {كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ} فصل. فإن قلت: من حق الفصل أن لا يقع إلا بين معرفتين، فما باله واقعا بين معرفة وغير معرفة؟ وهو أشدّ منهم. قلت: قد ضارع المعرفة في أنه لا تدخله الألف واللام، فأجرى مجراها. وقرئ: منكم، وهي في مصاحف أهل الشأم {وَآثاراً}