الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة المؤمن

صفحة 164 - الجزء 4

  مصر وقد علوتم الناس وقهرتموهم، فلا تفسدوا أمركم على أنفسكم، ولا تتعرّضوا لبأس الله وعذابه، فإنه لا قبل لكم به إن جاءكم، ولا يمنعكم منه أحد. وقال {يَنْصُرُنا} وجاءنا، لأنه منهم في القرابة، وليعلمهم بأنّ الذي ينصحهم به هو مساهم لهم فيه {ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى} أى: ما أشير عليكم برأى إلا بما أرى من قتله، يعنى: لا أستصوب إلا قتله، وهذا الذي تقولونه غير صواب {وَما أَهْدِيكُمْ} بهذا الرأى {إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ} يريد: سبيل الصواب والصلاح. أو ما أعلمكم إلا ما أعلم من الصواب، ولا أدّخر منه شيئا، ولا أسرّ عنكم خلاف ما أظهر يعنى أنّ لسانه وقلبه متواطنان على ما يقول، وقد كذب، فقد كان مستشعرا للخوف الشديد من جهة موسى، ولكنه كان يتجلد، ولو لا استشعاره لم يستشر أحدا ولم يقف الأمر على الإشارة. وقرئ: الرشاد، فعال من رشد بالكسر، كعلام. أو من رشد بالفتح، كعباد. وقيل: هو من أرشد كجبار من أجبر، وليس بذلك، لأنّ فعالا من أفعل لم يجئ إلا في عدّة أحرف، نحو: درّاك وسارّ وقصار وحبار، ولا يصح القياس على القليل. ويجوز أن يكون نسبة إلى الرشد، كعوّاج وبتات، غير منظور فيه إلى فعل.

  {وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ ٣٠ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ ٣١}

  {مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ} مثل أيامهم، لأنه لما أضافه إلى الأحزاب وفسرهم بقوم نوح وعاد وثمود، ولم يلبس أنّ كلّ حزب منهم كان له يوم دمار، اقتصر على الواحد من الجمع، لأنّ المضاف إليه أغنى عن ذلك كقوله:

  كلوا في بعض بطنكمو تعفوا

  وقال الزجاج: مثل يوم حزب حزب، ودأب هؤلاء: دؤوبهم في عملهم من الكفر والتكذيب وسائر المعاصي، وكون ذلك دائبا دائما منهم لا يفترون عنه، ولا بدّ من حذف مضاف، يريد: مثل جزاء دأبهم. فإن قلت: بم انتصب مثل الثاني؟ قلت: بأنه عطف بيان لمثل الأوّل؛ لأنّ