سورة المؤمن
  وفيها أعتى الكفار وأطغاهم، فلعل الملائكة الوكلين بعذاب أولئك أجوب دعوة لزيادة قربهم من الله تعالى، فلهذا تعمدهم أهل النار بطلب الدعوة منهم {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ} إلزام للحجة وتوبيخ، وأنهم خلفوا وراءهم أوقات الدعاء والتضرع، وعطلوا الأسباب التي يستجيب الله لها الدعوات {قالُوا فَادْعُوا} أنتم، فإنا لا نجترئ على ذلك ولا نشفع إلا بشرطين: كون المشفوع له غير ظالم، والإذن في الشفاعة مع مراعاة وقتها، وذلك قبل الحكم الفاصل بين الفريقين، وليس قولهم {فَادْعُوا} لرجاء المنفعة، ولكن للدلالة على الخيبة، فإنّ الملك المقرّب إذا لم يسمع دعاؤه، فكيف يسمع دعاء الكافر.
  {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ٥١ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ٥٢}
  {فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ} أى في الدنيا والآخرة، يعنى أنه يغلبهم في الدارين جميعا بالحجة والظفر على مخالفيهم، وإن غلبوا في الدنيا في بعض الأحايين امتحانا من الله، فالعاقبة لهم، ويتيح الله من يقتص من أعدائهم ولو بعد حين: والأشهاد. جمع شاهد، كصاحب وأصحاب، يريد: الحفظة من الملائكة والأنبياء والمؤمنين من أمّة محمد ÷ {لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ}. واليوم الثاني بدل من الأوّل، يحتمل أنهم يعتذرون بمعذرة ولكنها لا تنفع لأنها باطلة، وأنهم لو جاءوا بمعذرة لم تكن مقبولة لقوله تعالى {وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}، {وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ} البعد من رحمة الله {وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} أى سوء دار الآخرة وهو عذابها. وقرئ: تقوم. ولا تنفع، بالتاء والياء.