سورة محمد ÷
  للمشركين: سنطيعكم في التظافر على عداوة رسول الله ÷ والقعود عن الجهاد معه. ومعنى {فِي بَعْضِ الْأَمْرِ} في بعض ما تأمرون به. أو في بعض الأمر الذي يهمكم {وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ} وقرئ: إسرارهم على المصدر، قالوا ذلك سرا فيما بينهم، فأفشاه الله عليهم. فكيف يعملون وما حيلتهم حينئذ؟ وقرئ: توفاهم، ويحتمل أن يكون ماضيا، ومضارعا قد حذفت إحدى تاءيه، كقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ} وعن ابن عباس ®: لا يتوفى أحد على معصية الله إلا يضرب من الملائكة في وجهه ودبره {ذلِكَ} إشارة إلى التوفي الموصوف {ما أَسْخَطَ اللهَ} من كتمان نعت رسول الله ÷. و {رِضْوانَهُ} الإيمان برسول الله.
  {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ ٢٩ وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ ٣٠}
  {أَضْغانَهُمْ} أحقادهم وإخراجها: إبرازها لرسول الله ÷ وللمؤمنين، وإظهارهم على نفاقهم وعداوتهم لهم، وكانت صدورهم تغلى حنقا عليهم {لَأَرَيْناكَهُمْ} لعرفناكهم ودللناك عليهم. حتى تعرفهم بأعيانهم لا يخفون عليك {بِسِيماهُمْ} بعلامتهم: وهو أن يسمعهم الله تعالى بعلامة تعلمون بها. وعن أنس رضى الله عنه: ما خفى على رسول الله ÷ بعد هذه الآية شيء من المنافقين: كان يعرفهم بسيماهم، ولقد كنا في بعض الغزوات وفيها تسعة من المنافقين يشكوهم الناس، فناموا ذات ليلة وأصبحوا وعلى جبهة كل واحد منهم مكتوب: هذا منافق. فإن قلت: أى فرق بين اللامين في {فَلَعَرَفْتَهُمْ} و {لَتَعْرِفَنَّهُمْ}؟ قلت: الأولى هي الداخلة في جواب «لو» كالتي في {لَأَرَيْناكَهُمْ} كررت في المعطوف، وأما اللام في {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ} فواقعة مع النون في جواب قسم محذوف {فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} في نحوه وأسلوبه. وعن ابن عباس: هو قولهم: مالنا إن أطعنا من الثواب؟ ولا يقولون: ما علينا إن عصينا من العقاب. وقيل: اللحن: أن تلحن بكلامك، أى: تميله إلى نحو من الأنحاء ليفطن له صاحبك كالتعريض والتورية. قال:
  ولقد لحنت لكم لكيما تفقهوا ... واللّحن يعرفه ذوو الألباب